يوم الخميس الماضي، قدم وزير العدل وليام بار تقرير المحقق الخاص في قضية تورط الروس في انتخابات 2016 الرئاسية (روبرت مولّر)، الذي جاء في 448 صفحة. إلا أن هذه النسخة كانت مجتزأة بتضليل أو حذف ما يقدر ب 60 صفحة، بحجة دواعي الأمن القومي.. أو احتوائها على معلومات تتعلق بالقضية، مازالت منظورة من قبل الادعاء العام. الديمقراطيون، الذين يتمتعون بالأغلبية في مجلس النواب، طالبوا: بنسخة كاملة غير مجتزأة من التقرير، وأصدرت لجنة الشؤون القضائية في المجلس مذكرة استدعاء بذلك لوزارة العدل، بتسليمها بحلول أول مايو القادم. صحيح التقرير لم يعثر على أدلة دامغة، لا يرقى إليها الشك، بوجود علاقة مباشرة بين جهود الروس في التأثير على نتيجة تلك الانتخابات، والرئيس أو أي عنصر من عناصر حملته الانتخابية. إلا أن التقرير لم يبرئ الرئيس من شبهة عرقلة العدالة، بمحاولته وبعض مساعديه في البيت الأبيض، التدخل في عمل اللجنة من قبيل: طرد رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق (جيمس كومو).. أو التهديد بطرد روبرت مولّر، نفسه، وحل اللجنة، من أساسها. وبما أنه ليس من سلطة أية جهة قضائية اتهام الرئيس، وهو لا يزال في منصبه متمتعاً بالحصانة، إلا أن التقرير قدم، في ما يزيد على مائة صفحة من القرائن والإثباتات والمستمسكات، ما يمكن استخدامه، من قبل الكونغرس، إذا ما اختار طريق إدانة الرئيس تمهيداً لعزله.. أو حتى رفع قضية ضد الرئيس بعد خروجه من البيت الأبيض، عند انتهاء فترة رئاسته، وزوال الحصانة عنه. هناك طريقان يفكر الكونغرس، خاصة الديمقراطيين فيه، اتباعهما للتعامل مع تهمة خطيرة مثل تهمة عرقلة العدالة، خاصةً، إذا كانت تتعلق بسوء استغلال السلطة، من قبل الرئيس. الطريق الأول: البدء بإجراءات عزل الرئيس، بتوجيه تهمة عرقلة العدالة له من قبل مجلس النواب.. ودفعها لمجلس الشيوخ، لبدء إجراءات محاكمته. العقبة الكأداء هنا أن مجلس الشيوخ يتمتع الجمهوريون فيه بالأغلبية. كما أن قرار العزل، بموجب الدستور يتطلب أغلبية الثلثين (67) صوتاً... وهذا نصاب يصعب تحقيقه، في ظل أغلبية يتمتع بها الجمهوريون في مجلس الشيوخ. الطريق الثاني، هو سياسي بامتياز. أخذاً بعين الاعتبار الفترة الطويلة، التي قد تستغرقها إجراءات العزل، مع عدم ضمان نتيجتها، فإن الحل يكمن في اللجوء إلى محكمة (الشعب)، والعمل من الآن لكسب الشارع في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، نوفمبر 2020. بما أن عملية العزل طويلة وغير مضمونة، كونها تتحكم فيها الاعتبارات السياسية، وليست معايير الحق والباطل الأخلاقية بطبيعتها ولا حتى القانون، فإن خيار هذا الطريق يكون أكثر كفاءة وفاعلية.. كما أنه يحفظ لمؤسسة الرئاسة مكانتها وهيبتها. خيار هذا الطريق الثاني، يكسب تأييداً متزايداً بين الديمقراطيين، كما أنه لا يثير حفيظة بعض الجمهوريين، الممتعضيين من تصرفات الرئيس، كونها لا ترقى بمكانة الرئاسة الرفيعة. كما أن هذا النهج الأخير سيعيد كافة أوراق القضية للشعب الأمريكي، صاحب السيادة الوحيد والحصري، لمواجهة أي تعديات خارجية على القيم الديمقراطية والليبرالية للشعب الأمريكي، التي لا يقبل المساس بها ولا المساومة عليها. هذا بالإضافة إلى أن عرقلة العدالة، التي تعد من الجرائم الكبرى التي لا يتسامح معها الدستور، مهما بلغت رفعة المسؤولين العموميين، خاصةً المنتخبين منهم، لا تسقط بالتقادم. يمكن رفع قضايا على الرئيس في المحاكم الجنائية والمدنية، بعد خروجه من البيت الأبيض، وتجريده من الحصانة، التي يخولها له منصبه. هناك خمس سنوات يمكن خلالها رفع قضايا ضد الرئيس في جرائم ومخالفات وجنح ارتكبها أثناء فترة رئاسته، بدءا من تاريخ ارتكاب تلك الجرائم والمخالفات. أي أن هناك سنتين، على الأقل، بعد خروج الرئيس من البيت الأبيض، إذا لم يُعد انتخابه، يمكن خلالهما رفع قضايا ضده، تبدأ من تاريخ توثيق آخر جريمة أو مخالفة ارتكبها. ثم إن المحقق مولّر، وضع في تقريره خطط إمكانية مساءلة الرئيس على جرائم ومخالفات ارتكبها، أثناء متابعته سير التحقيقات في القضية التي كُلف بها وجاءت بالتفصيل والتوثيق الكاملين ليهتدي بها من هو مهتم بتلك القضايا، سواء كان الكونغرس أثناء فترة رئاسته.. أو بعد خروجه من البيت الأبيض. ما لم يحصل الرئيس ترمب على صفقة مع الكونغرس للعفو عنه، وهذا مستبعد نظراً لفداحة الجرم وضعف شعبية الرئيس في أوساط النخبة في واشنطن، قبل انقضاء فترة رئاسته، كما حصل حديثاً مع الرئيس ريتشارد نيكسون، في قضية وترجيت، حيث عفى عنه خلفه الرئيس جيرالد فورد.. وكذا الرئيس بيل كلينتون عندما حصل على العفو من مجلس الشيوخ، قبل يوم من مغادرته البيت الأبيض، بعدم ملاحقته في قضية علاقته مع المتدربة وقتها في البيت الأبيض (مونيكا لونيسكي). شبح المحقق مولّر سوف يلازم الرئيس ترمب، في الفترة المتبقية من رئاسته.. ولن يفلت منه، بعد خروجه من البيت الأبيض. لقد كان الرئيس ترمب صادقاً في وصف الحالة التي سيمر بها عندما عُين مولّر محققاً مستقلاً، عندما قال: «رحت في داهية». *كاتب سعودي [email protected]