يتمتع الشاعر أحمد السيد عطيف بعقلية معرفية، تفكّر وتبحث وتطرح بجرأة وجسارة يعدها البعض تغولاً منه في ميادين ليست له أو ليس لها، وبحكم ما حظيت به تجربته الشعرية من إشادة الرموز زهد كثيراً في الدعوات والأمسيات لأنه يرى أن المنتج الجيّد يسوق نفسه، أما تسويق الشاعر لشعره فنيل من الكرامة ودفق لماء الوجه وارتهان لمعروف لا بد من ردّه بمثله، ولفت في حوارنا معه إلى أن الزمن كفيل بوضع كل صاحب مشروع في مكانه اللائق.. وهنا نص حوارنا معه: • أعلنت وزارة الثقافة استراتيجيتها، وأنت معني بالتحولات وداعٍ لها فكيف انطباعك اليوم عمّا أعلن؟ •• بالطبع متفائل وإن كُنّا لم نقرأ إلا العناوين، لكن استحداث قطاعات أوسع للثقافة يطلق دماء جديدة وأفكارا خلاقة للخروج من مؤسسات تقليدية ليس لديها مقومات تجديد، والعبرة ليست بإعلان جميع المفردات والآليات بل بمن يقوم عليها لأن الإدارة فن. • أين موقع المثقف المخضرم بين أجيال صاعدة تحتل الصدارة بمعطيات عصرية وتقنية؟ •• وزارة الثقافة يقوم عليها وزير أمير وقانوني ولديه إلمام بالمشهد ويعرف الرموز الثقافية، أوصى بطباعة أول مجموعة قصصية في المملكة لأحمد عبدالغفور عطار، ويبادر لتهنئة المثقفين في المناسبات، ومسؤولية الوزارة أن تكون مظلة للجميع دون انتقائية مع حفظ حقوق آباء الثقافة، ورموز الوطن ممن قدموا صورة جمالية عن مملكتنا طيلة عقود يصعب فيها تقديم الثقافة عربياً وعالمياً. • هل تنزعج من منافسة نجوم «التواصل الاجتماعي»؟ •• لكل عصر أدواته وتقنياته، و«التواصل الاجتماعي» ليست وسيلة النخب المثقفة، بل هي أدوات تواصل ووسائل لجميع المكونات الاجتماعية، المؤسسة تعتني بمشاهير الميديا لا لمكانتهم الثقافية لأن بعضهم ليس له منجز ولكن لكثرة المتابعين لهم ما يسرّع في التسويق، علماً بأنه ليس كل تسويق يحقق ربحية فبعض التسويق يهز ثقة المستهلك في المنتج. • ما سبب تحفظك على بعض مسؤولي وزارة الإعلام؟ •• لأنهم تسببوا في تعطيل الحراك الثقافي، جاءوا عبر انتخابات بأسماء من صفوف متأخرة ووضعوهم في مقدمة المشهد، وهذه خدمة لأشخاص وليست عملاً وطنياً لخدمة الثقافة، وكونك تعتمد على مشاعرك في تعيين مثقف فالعاطفة والعلاقة ستحكمك ولن تكون موضوعياً، والثقافة الحقيقية هي التي تبقى سواء كنت داخل المشهد أم خارجه. • هل ضعفت المناسبات الثقافية بسبب غياب (قاعدة بيانات) ثقافية تعرّف الموظفين بالمثقفين في كل منطقة؟ •• تعرف أن أصعب كلمة يمكن تعريفها هي الثقافة، ولذا يمكن أن يدخل إليها من ليس من أهلها أياً كانت مؤهلاته ومهما تدنى مستوى منتجه، وربما يقع منظمو الفعاليات الثقافية في حرج عندما توكل إليهم مهام بعث الدعوات لمناسبة ما، فيسأل من يعرف من أصدقاء أو زملاء عن أسماء مثقفين من منطقة ما ويحصل على أرقام جوالاتهم ثم يدعوهم ويضعهم في الصفوف الأمامية، وكل من تلقى دعوة لمرة واحدة لم يعد ينزع البشت عن منكبه، وبهكذا دعوات ستجد الجهات المنظمة ملايين يملأون الكراسي ليس بينهم مثقف واحد، بحكم أن الموظفين لم يعملوا على تتبع المشهد الثقافي ومعرفة الأسماء والإصدارات، ولك أن تتخيل أن شخصاً يحضر أمسية ويعود لمنطقته ويطلب منه نسخة من ديوان شعري للتو صدر فيفوز بجائزة. • هذا يدعو للسؤال عن ثقتك بالجوائز ومانحيها وممنوحيها؟ •• عندما تكون الثقافة آخر اهتمام شخص تولى مسؤولية إدارة مؤسسة ثقافية فذهب يعتني بالعلاقات ويدعو للمؤسسة التي يديرها كل من يضمن أنهم سيدعونه ويكرمونه ويفوزونه بالجوائز فهذا مثار تعجب. أما منهجية النفعيين (المُلّس) تخدِم وتُخدم، وتدعو فتُدعى، وتعتني فيُعتنى بك وتجمّل معنا نتجمّل معك فهذا شغل علاقات عامة وخاصة وتبادل منافع علني على حساب الثقافة والوطن لكن مصداقية الفعل الثقافي لا ترتبط بنيل جائزة فهناك جوائز مبتذلة وهناك جوائز مشبوهة. • كيف يمكن تفادي «شللية» المشهد الثقافي؟ •• العمل المؤسسي الشفيف لا يقبل العبث ولا الاجتهادات الفردية، وليس من عمل إلا وله آليات وأسماء الفريق المشرف معلنة، والترشيح يتم عبر مؤسسات نشر ودور ثقافة محترمة، ويتم إعلان أسماء المترشحين، والجهات المرشحة لهم، ولعل من أعجب ما قرأت أن يرأس أحدهم جائزة ويفوز كتابه بها أو يُفوّز. • لهذا أحجمت أنت واخترت العُزلة؟ •• المثقف المحترم يستحي ويخجل من التهافت على جوائز وعلى حضور مشبوه وما يناله البعض من مال لن يبارك، ولعلمك أنا لا أحتفظ في جوالي برقم أي مسؤول، فقيمة المثقف في ممارسة دوره الثقافي والتنويري والمعرفي، والمؤسسات الثقافية تتولى الطباعة والترجمة والتسويق وحفظ الحقوق، أما أن تتحول ميادين الثقافة لساحة بيزنس فهذا معيب ويسيء ويشوّه مشهدنا في أعين الآخرين، بحكم أن من يدفع يُدعى لمهرجانات ويكرم في مؤتمرات ويترجم بلغات. • شننت عبر صفحتك على الفيس هجمة على لجنة تكريم الشعراء في معرض الكتاب، ما هي الدوافع؟ •• الدوافع وجع داخلي أن تعلن وزارة الإعلام أن شخصية معرض الكتاب الراحل غازي القصيبي ثم تكتفي بندوة واحدة عنه وفيلم لمدة دقائق ليلة تكريم الشعراء عبدالله الصيخان ومحمد جبر الحربي ومحمد الدميني وبديعة كشغري. فالقصيبي يستحق أن يطلق على معرض الكتاب دورة غازي القصيبي، وأن يعرض فيلم عن حياته في أروقة المعرض طيلة 10 أيام وأن توزع نسخ من الفيلم ومن كتبه مجانا على الأجيال من زوار المعرض لتعرف أي رمز وطني هو، إضافة إلى أن ليلة تكريم الشعراء جاءوا بأربعة شعراء شباب ليحيوا أمسية وفرقة موسيقية تعزف قدودا حلبية، ثم قدموا لكل من الصيخان والحربي والدميني وكشغري ورقة أو شهادة ما حزّ في صدورنا وكشف لنا أن بعض موظفي الوزارة ليس مثقفاً بدليل أنه لا يُحسن التعامل مع الرموز. • كيف ترى مستقبل الأندية الأدبية وأفرع جمعية الثقافة والفنون والمكتبات؟ •• الهيكلة بأن تضم جميعها في مباني الوزارة، ويعين في كل منطقة موظف واحد أو موظفان، وتؤسس جمعيات للشعر والسرد، والمسرح، والنقد، والسينما، والتشكيل، وكل من له علاقة بفن يدفع الرسم السنوي وينال بطاقة عضوية، وتخصص أيام لكل مجموعة لتنفيذ الفعاليات، ويمكن أن يجتمع الكل في مناسبة واحدة برعاية الوزارة وحضور الوزير. • هل تخشى على الكتاب وعلى المؤلف من التقنية؟ •• إذا توفرت أنظمة لحماية الملكية الفكرية والحقوق لا خوف ولا خشية والمؤلف السعودي ليس محظوظاً مع دور النشر ورقياً ولا إلكترونياً ومهضوم الحقوق. • لمَ إذن يستثار البعض بسبب أطروحاتك الفقهية؟ •• ربما عوامل نفسية وذاتية، لأني لا أُصدرُ فتاوى، ولستُ فقيهاً، بل أعرض أفكارا بحكم عشقي للغة، وارتباطي بالقرآن الكريم تلاوة وتأملاً، ودوري إعادة النظر في المصطلحات الواردة في الكتاب والسنة عبر معالجة لغوية، ولستُ أرغم أحداً على الاقتناع لكني وجدت نفسي في هذا الفضاء المعرفي العذب، ولدي إصدار سيتم طرحه قريباً يوازي ما تناولته في كتابي (غطاء العالم) وربما يتجاوزه، والرد بعدم التخصص ليس رداً منهجياً فأنا لسان عربي والقرآن يخاطبني مثل ما يخاطب كل مسلم والتفاعل الإيجابي مع النصوص يحتاج إلى الفهم والاستيعاب والنظر والتأمل وهذا دوري في مؤلفاتي السابقة واللاحقة. • أين تمضي وقتك بعد تقاعدك؟ •• في مزرعتي التي أسعد فيها بقراءة وردة تنمو، أو طائر يغرّد، أو نجم يظهر، ويسعدني أنني أستضيف من النخب أصدقاء وندير ندوات لا يمكن أن تضاهيها ندوات أي مؤسسة ثقافية تقليدية.