غير خاف علينا أن كل منا مذهول لواقع الثقافة العربية التي تمر بحالة حرجة فيما يسمى بتعبير ظريف – بالربيع العربي - ، وذهوله يزداد نتيجة التحول الاستثنائي في صفحات التاريخ المؤلم والمحبط في عالمنا العربي . ولعل حيرة وصدمة المثقف نابعة من عدم مشاركته في صناعة رياح التغيير في كل شيء عبر عام قاسي مضى وعام غامض حل ، لأن قائمة الاغتراب والحزن طويلة ومأساوية لأبعد حد وتدعونا إلى ضرورة أن يكون الفعل الثقافي بوعي وحرص شديد لمواجهة التحولات الثقافية القادمة والتغيرات الدولية. لكننا وفي مشهدنا الثقافي السعودي – ولله الحمد – نجد أن الوضع مختلف جداً فالإنجازات التي تحققت للثقافة السعودية تظل رائدة عبر هذا العام بجهود مضنية من مايسترو الثقافة السعودية الدكتور ناصر بن صالح الحجيلان وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشئون الثقافية وهي إنجازات تحمل في معطياتها صورة حضارية لوجهنا المشرق وقلبنا الوضئ ، وهي روحنا التي تتسلل في النسيم العابر المتجدد صوب جهات العالم. وعلى الرغم من تلك الأحداث وتحدياتها المؤلمة فإن المملكة العربية السعودية تمثل المجد الثقافي العربي وتمثل الذاكرة العربية الأدبية والفكرية والثقافية والمعرفية. لقد كنت أنظر بعين التقدير وبعين الفرح لاختيار المدن السعودية عواصم للثقافة العربية نتيجة جهود وكالة الوزارة التي تجلت في عشرات الندوات والفعاليات الثقافية والأنشطة المتنوعة والحراك الثقافي للأندية الأدبية والمؤتمرات والملتقيات الثقافية ومعارض الفن التشكيلي والعروض المسرحية فضلاً عن الأمسيات الشعرية والقصصية والأسابيع السعودية الثقافية التي أطلقتها بالخارج في العام الماضي الذي عد بحق واحداً من أهم الأعوام التي شهدت زخماً ثقافياً متنوعاً ، متعدداً ، كان له دوره الإيجابي الجلي في خدمة الثقافة السعودية وفي السير على طريق التنوير والإشراق والإبداع. إن المملكة أضحت من أبرز الدول الثقافية والحضارية العربية والدولية بما تملكه من مراكز ثقافية ومتاحف وأندية أدبية وأكاديميات في مختلف المجالات الحضارية ، وكيف لا ونحن نشهد العرس الوطني الكبير (مهرجان الجنادرية) الذي استقطب كل المثقفين في وطننا العربي. إن العالم اليوم يلهث وراء ما هو جديد ومبتكر ، والثقافات الحديثة في مجالات الفكر تتسابق في سباق ليس له نهاية إلا مع نهاية الحياة على كوكب الأرض وبعد أن كان هناك كل يوم يوجد شيء جديد أو غريب أصبحنا مع كل ثانية أو دقيقة نجد هناك اختراعاً ومبادرة ثقافية مبهرة. ولسنا هنا في مجال لسرد أبرز المنجزات وكل ما يمس حياة المثقفين ولكن لا مناص أن نعرّج على معرض الرياض الدولي للكتاب 2012م الذي ينطلق في السادس من مارس القادم الذي أبلغني عن مزاياه الجديدة - التي استحدثت لأول مرة في تاريخ الكتاب السعودي الدكتور ناصر الحجيلان خلال زيارتي له بمكتبه وهي جائزة الكتاب بمليوني ريال حيث قال لي إن الجائزة جاءت من منطق قيام وكالة الوزارة بدورها في تفعيل الحركة التأليفية والعلمية والاقتصادية والاهتمام بالمؤلف السعودي في جوانب الفروع المعرفية دعماً للكتاب المتميز وتشجيعاً لعطاء المؤلف بدعم معالي وزير الثقافة والإعلام ومعالي نائبه من أجل إضفاء مزيد من الأضواء على فعاليات المعرض وربط تسويق الكتاب بقيمته المعرفية . وحقيقة الأمر أن هناك خلية نحل داخل وكالة الوزارة للشئون الثقافية ولجاناً متعددة حيث يرأس الدكتور الحجيلان لجنة الجائزة المكونة من الأكاديميين والخبراء والعقول النيرة في عدد من الحقول المعرفية ، فيما أشار إلى أن مجموع قيمة الجائزة هو (مليونا ريال) ، لكل كتاب 200 ألف ريال منها 100 ألف ريال للمؤلف و100 ألف ريال شراء للكتاب . قد تكون شهادتي في ناصر الحجيلان مجروحة لكنني لم التق به إلا مرة أو مرتين وأعرف أنه الصديق لكل المثقفين وعندما عبرت له عن تذمر البعض منهم جاءت إجابته واقعية بأسلوب رشيق ورحابة صدر وسعة أفق ، إننا رغم ذلك لابد لنا من دعم الحياة الثقافية والوطنية فلا يمكن أن تُحقق أي تنمية في أي بلد من البلدان ما لم تتبن المؤسسات العامة والخاصة إثراء الحياة الفكرية والثقافية ، ولابد لنا جميعاً كمسؤولين ومثقفين أن نطرح القضايا التي تقوي الإجماع بين الفئات المختلفة على أولويات العمل الوطني . وبعد أن ودعت الدكتور الحجيلان بالتقاط بعض الصور من المصور العالمي ناجي نعمان رئيس جمعية المصورين الأمريكيين التقيت بالرجل الدؤوب وراء الفعل الثقافي مدير الأندية الأدبية ومنسق الجائزة الأستاذ عبدالله الكناني ليضيف لي أن دور النشر المحلية والخارجية أرسلت كتباً كثيرة من مؤلفات السعوديين التي تخضع للفحص والدراسة تمهيداً لدخولها جائزة الكتاب ، كما عبر لي العابس المبتسم رئيس اللجنة الإعلامية للجائزة والمتحدث الرسمي لوكالة الوزارة الأستاذ محمد عابس عن أمله في أن تكون هذه الجائزة دافعاً للمؤلف السعودي نحو الإتقان والتميز والعطاء المستمر. قد لا أضيف جديداً إذا قلت من هنا تأتي حتمية إقامة هذه الجوائز والحوافز من قبل المسؤولين والمثقفين من أجل تقديم الفكر الرصين والمؤلفات التي تناقش التحديات الحالية والمستقبلية للوطن وتستحق الفوز بجدارة ويجعلنا ذلك نتفاءل بمستقبل فكري مشرق لبلادنا ووحدتها .