الترفيه ليس ترفا، ما زال كثير من أفراد المجتمع يشكك في أهميته، ويقلل من دوره الحيوي في إصلاح المجتمعات وازدهارها، بل إن بعضهم يتخوف من كلمة ترفيه ذاتها ويعلق عليها الاتهامات في هدم قيم وأخلاقيات المجتمع، ولكن ما لا يعلمه هؤلاء عن الترفيه بأنه قد يكون وسيلة إصلاحية وتقويمية للعديد من مشكلات مجتمعاتنا اليوم، ولنا في تجارب العالم أسوة حسنة، ففي عام 2008 عزم مجلس مدينة لوس أنجليس الأمريكية على استخدام الترفيه كاستراتيجية لتقليل نسب الجرائم والانحرافات السلوكية المنتشرة في 8 أحياء في المدينة، وذلك بتفعيل العديد من البرامج والأنشطة الترفيهية (الهادفة) خلال مواسم الصيف والإجازات الرسمية والساعات المتأخرة من الليل، لوحظ خلال الأشهر الأولى انخفاض نسب الجرائم بما يقارب 17%، ما شجع على افتتاح المزيد من المراكز المتخصصة بتقديم الأنشطة الترفيهية حتى وصلت عام 2009 إلى 20 مركزا استقطبت 50 ألف زائر أسبوعيا. وفي تجربة عالمية أخرى سمحت إدارة السجون التركية بممارسة الأنشطة الترفيهية داخل السجن لمدة ساعة ونصف يوميا، ما نتج عنه تحسن سلوكيات المسجونات وانخفاض نسب الاكتئاب والشعور بالوحدة لديهن. كما أعلنت لجنة الأممالمتحدة عن أهمية ودور الترفيه في تحقيق الأهداف الإنمائية مثل القضاء على الفقر، ومكافحة الأمراض الخطيرة، وتحسين مسارات تمكين المرأة، وإنعاش فرص السياحة. وإن المتتبع لموروثنا الإسلامي يجد من مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم ما يثبت أهمية الترفيه ودوره في الإعانة على العبادة، ما يجعلنا نؤكد على أن الترفيه حاجة إنسانية ملحة وليس ترفا نتباهى به. وختاما، إن لم يحقق الترفيه نتيجة ملموسة كتعديل سلوك أو تعزيز مهارة فإنه ليس إلا نشاطا عابثا لا جدوى منه، وعليه فإن الفهم العميق لماهية الترفيه والغرض منه أولى الخطوات المهمة لتقديم نشاط ترفيهي بناء، وهذا ما سوف نتناوله في مقال لاحق إن شاء الله. *محاضر - جامعة الطائف