ثمة حراك وتغيير قلب الموازين وغير المفاهيم، لم تعد السجون حبسا للحريات خلف القضبان الحديدية، بل تحولت، وفق استراتيجية بعيدة المدى، إلى مقار لتهذيب السلوك والأخذ بيد من أجرم وأخطأ بحق نفسه. فالمديرية العامة للسجون بقيادة مديرها اللواء إبراهيم الحمزي سعت إلى خلق مفهوم جديد للسجون بتحويلها إلى دور للإصلاح وعنابر للتدريب والتأهيل فضلا عن السماح للسجناء بإكمال الدراسة حتى الماجستير والدكتوراة. وتمثل سجون جدة مثالا يحتذى في تطبيق تجربة التحول إلى مفهوم السجن غير التقليدي كما يقول مديرها العميد أحمد عبدالله الشهراني في حوار مع «عكاظ» حيث ينخرط النزلاء في برامج إصلاحية ومهن يدوية تعينهم على العمل وإعالة أسرهم بعد الإفراج. وأضاف أن إدارته وضعت شروطا لنزلاء البيت الآمن والعنبر المثالي. يظل مفهوم السجن حبسا للحريات.. كيف يمكن تغيير هذا المفهوم والقول إن السجن لم يعد حبسا؟ السجن عقوبة تصدر على شخص ما من خلال المحاكم الشرعية بقرار من القاضي، والهدف ليس حبس حرية الإنسان، بل إصلاحه بعد صدور حكم بمعاقبته، وبالتالي العمل الجاد لإعادته إلى أسرته ومجتمعه إنسانا سويا صالحا، وهذا هو نهج الدولة -رعاها الله- في على تربية وتقويم من جنحت بهم السبل وأخطأوا فدخلوا السجن، وإعادتهم إلى مجتمعهم لبنة صالحة يخدمون وطنهم وأسرهم بعيدا عن الانحراف. لقد عملت المديرية العامة للسجون على إنشاء حلقات تحفيظ للقرآن الكريم ومعاهد تدريب وأعانت من يريد الالتحاق بالجامعة عن طريق الانتساب بأن يؤدي الاختبارات في الأوقات المحددة، كما حرصت على تزويد مكتبات السجن بالكتب المتنوعة النافعة لتثقيف النزيل وتنمية مهاراته، كما حرصت على ممارسة النزيل لهواياته، وعملت على إنشاء مصانع مصغر ليستفيد منها النزيل لكسب العيش الحلال، ويتعلم صنعة تنفعه بعد خروجه، فالسجن الحديث إصلاح وتأهيل وتأديب، ليس حبسا ومنعا وتعذيبا. لا لضياع المستقبل ليتكم شرحتم المقصود ببرامج الإصلاح؟ يقصد بها البرامج المخصصة لشغل وقت فراغ النزيل بما يعيد تأهيله وإصلاحه حتى يخرج عضوا صالحا لنفسه ولمجتمعه. وتهدف إلى رعاية النزلاء وتقديم البرامج التعليمية والثقافية والرياضية والمهنية وتشغيلهم في الأعمال التي تتناسب مع قدراتهم وميولهم. ولدينا برامج تدريبية وتعليمية وتوعوية وتطويرية تقدمها السجون للنزلاء. وعلى سبيل المثال محو أمية تدرس المناهج في السجن، وفي المراحل العلوية يكون بتقديم طلب للالتحاق بالمسيرة التعليمية ومخاطبة إدارة التعليم لإكمال الدراسة في جميع المراحل المتوسطة والثانوية حتى الجامعية والماجستير إضافة إلى الدورات التدريبية المهنية المقدمة من المعهد التقني والمهني إلى جانب دروس الحاسب الآلي، مع منح كل سجين شهادة من المعهد المهني والتقني لا يكتب فيها سجين، أسوة بشهادات المعهد التقني والمهني، بغرض اكتساب كل نزيل مهنة تكون له سندا بعد خروجه من السجن. كما حرصت السجون على ربط العلم بالإصلاح، وأدركت أنه لا يمكن أن يتحقق الإصلاح إلا بنشر العلم بين النزلاء، فالجانب الوقائي لمنع انتشار الجريمة يعتمد، بعد الله سبحانه وتعالى على ما يملكه الشخص من درجة علمية، تجعله محصنا من الانحرافات السلوكية والإجرامية، فكان أن تم إنشاء المدارس داخل السجن، وتوفير المعلمين والمتخصصين من أهم أهداف المديرية العامة للسجون، مع فتح باب الانتساب للراغبين من النزلاء مواصلة تعليمهم الجامعي والتنسيق مع الجامعات لاحتضان هؤلاء وتلبية طموحهم، والسعي إلى تذليل كافة الصعوبات التي تحول دون مواصلتهم دراستهم حتى لا يكون السجن سببا في ضياع مستقبل النزيل بانقطاعه عن التعليم. محاكمات للنزلاء في السجن وماذا بشأن محاكمات النزلاء داخل السجن؟ نجحنا في إيجاد قاعات للمحاكمات داخل السجن، وهي تجربة أثبتت نجاحها وتم الانتهاء من النظر في 1500 قضية لسجناء خلال 6 أشهر من قبل المحكمة الإدارية الملحقة بالسجن كما يتم النظر في قضايا النزلاء من خلال محكمة خاصة بديوان المظالم داخل أسوار السجن لإنهاء معاناة عدد كبير من النزلاء تأخرت قضاياهم لفترات وقد أسهمت الخطوة في تسريع محاكمات عدد من قضايا الرشوة والتزوير والتزييف وما يقع في نطاق ديوان المظالم، وأود هنا أن أشكر المسؤولين في ديوان المظالم وقضاتها. جامعيون يكملون دراستهم الحديث عن المحاكمات ينسحب إلى السؤال.. ما هي أبرز القضايا التي ترد إلى السجون وحجمها؟ النسبة الكبرى من المساجين مدانون في جرائم المخدرات، وبعدها تأتي جرائم السرقة، ثم الجرائم غير الأخلاقية ثم جرائم النصب والاحتيال والقضايا الحقوقية. حدثنا عن طبيعة الأنشطة التي توفرونها للسجناء؟ هناك عدد من الأنشطة من بينها إكمال الدراسة للنزلاء، للمراحل الثلاث، بالإضافة إلى المرحلة الجامعية، كما توجد مدارس داخل السجن، ونحرص على توفير المعلمين والمتخصصين وفتح باب الانتساب للراغبين من النزلاء في مواصلة تعليمهم الجامعي، والتنسيق مع الجامعات لاحتضان النزلاء وتلبية طموحهم، حتى لا يكون السجن سببا في ضياع مستقبل النزيل بانقطاعه عن التعليم، ويوجد عدد من السجناء يكملون دراستهم الجامعية عن طريق الانتساب، أو التعليم عن بعد، وتم تخصيص أجهزة حاسوب وغرف خاصة لهم. والسجن يقيم أنشطة ثقافية واجتماعية ورياضية، لأهميتها في إصلاح وتأهيل النزيل، تشتمل على المحاضرات الاجتماعية والثقافية، والمسابقات المختلفة في الشعر والأدب إلى جانب الأنشطة الرياضية والمسرحية، كما توجد مكتبة منوعة وأشرطة وسيديهات دينية وثقافية وصحية. لديكم منظومة عمل يتم من خلالها تأهيل وتدريب السجناء.. كيف يتم التدريب وما جدواه؟ إنشاء مصانع داخل السجون لتأهيل وتدريب النزلاء على مختلف المهن والصناعات وإعادتهم إلى مجتمعهم أسوياء ومنتجين، والنزلاء المتدربون يتمتعون بمزايا الموظفين في فترة التدريب، ويلحقون بالتأمينات الاجتماعية، إضافة إلى حصولهم على المكافأة والمنح والحوافز، ويمكن للنزيل بعد انتهاء مدة محكوميته أن يلتحق بالمصنع فور خروجه، ويعتبر ذلك إلزاميا للمصنع، واختياريا للنزيل. الحديث مفيد عن برامج اليوم العائلي.. ما طبيعة هذا اليوم وأهدافه؟ سجون جدة من السجون التي بادرت في تطبق مشروع البيت العائلي المكون من صالة استقبال وغرفة نوم رئيسة وغرفة للأطفال ومطبخ مؤثث بالكامل، ويمكن للسجين الاجتماع مع أسرته (الزوجة، الأم، الأب، والأبناء) من الصباح إلى المساء دوريا كل شهر، ممن تنطبق عليهم شروط الخلوة الشرعية، منها أن يكون النزيل حسن السيرة والسلوك، وقضى نصف المدة المحكوم بها. عنبر للمميزين بشروط يقال إن إدارة السجن تخصص مواقع خاصة للنزلاء المميزين ممن يتمتعون بحسن السلوك، ما تعليقكم؟ رئيس المحكمة الجزائية الشيخ عبدالعزيز الشثري، افتتح مؤخرا العنبر المثالي ويحتوي على صالات الأنشطة وكتب مسموعة ومرئية ومقروءة وشهد الافتتاح تكريم 30 نزيلا ونزيلة من جنسيات مختلفة بعد إشهار إسلامهم. ويضم العنبر المثالي 150 نزيلا، ولا يقتصر على فئة أو قضية دون أخرى، بل فيه مختلف المحكومين، وهناك شروط للمكوث فيه، أهمها ألا يكون السجين مدخنا، وأن يكون حسن السيرة والسلوك والأخلاق، مواظبا على أداء الصلاة، مشاركا في برامج السجن التأهيلية والإصلاحية، خاصة حلقات تحفيظ القرآن الكريم والمحاضرات التوعوية. وهذه البرامج يجري تنفيذها داخل السجون، وتثمر أطيب الثمار، ونجحت إلى حد كبير في تأهيل وإصلاح عدد كبير من النزلاء؛ ليعودوا أفرادا نافعين لأنفسهم ومجتمعهم.. ويكفي دليلا على ذلك مئات النزلاء الذين يحفظون كتاب الله داخل السجون، إضافة إلى أعداد كبيرة من الدارسين والدارسات الذين ينتظمون في المدارس التابعة للسجون، والمئات من المتدربين داخل الورش المهنية، الذين أثبتوا كفاءة في العمل داخل المصانع المقامة داخل السجون أو خارجها.