إن انتقص أحدنا من الآخر لمبررات الانحياز ضد العرق أو المذهب أو العقيدة فلا يعني ذلك أن الانتقاص تعبير صادق ومنطقي يصف حقيقة وجود النقص بتلك المبررات، فالمشكلة التعصبية هي من تحرض على البحث عن وجوه الاختلاف التي يعتبر وجودها ضرورة أكثر من كونها نقصا، وهي من تبرر وجود مثل هذه الأفكار وتقوم على صياغتها في التعاملات الإنسانية كأخطر الأمراض التي تهدد الاستقرار ووحدة المجتمع. حادثة المسيء للقبائل الجنوبية أعادت النظر إلى نظام مكافحة التمييز وبث الكراهية الذي كان عالقا في مجلس الشورى منذ 3 أعوام، رغم الحاجة الماسة إلى الموافقة عليه وتفعيله دون أي عذر للتأخير، ولكن بالتطلع إلى حيثيات هذه الحادثة لاحظنا الكثير من الآراء التي تؤكد بالجملة أنه لا فرق بين أبناء الوطن الواحد بالإلحاح والتوكيد والرفض العام لمثل هذه الإساءة التي تنشر الكراهية وتميز بين الناس بشكل رجعي، وحينما يرفض الضمير الشعبي مثل هذا الأمر ويستهجنه وينكر فعله فهذا يعني أن المجتمع أصبح واعيا متطلعا للعيش في متطلبات الحاضر وتطلعات المستقبل، وهذا السلوك الجمعي يشكل أهم السمات الحضارية التي يريد الناس الاتجاه نحوها والعيش تحت ظلها، فالدولة الوطنية والشعب المتلاحم وفق فكرة الوحدة ومعطياتها قد أثبتت عبر التاريخ أنها ملاذ المجتمع وجوهر أمنه. تحرك النيابة العامة أيضا أضفى على فكرة رفض هذا السلوك قيمة ومعنى، فحينما يدرك الفرد أن انتقاصه للغير قد يعرضه للمساءلة والعقاب فهذا بحد ذاته سيساهم في صياغة الثقافة القانونية التي تنظم التعاملات حتى تصبح قيمة أخلاقية ومبدأ ثقافي في الحياة الاجتماعية، وهذا ما يفسر دور الأنظمة وضرورة تطبيقها في صياغة الخلق الاجتماعي والثقافي وفق القوانين التي تنظم السلوك وتسير بالمجتمع نحو التحضر.