هناك مثل معروف دائماً يقال وهو «الطاسة ضايعة» للتدليل على فساد الأمور والخلل في التفكير والتخبط في اتخاذ القرار، وقد حيكت العديد من القصص حول هذا المثل أقربها لنفسي هي أن سائقاً في دائرة حكومية تقاعد فسلم السيارة العهدة للدائرة الحكومية ولم ينتبه أحد أنه فقد طاسة الكفر (عجلة السيارة) وبعد فترة من الزمن تم اكتشاف عدم وجود الطاسة فعملت لجنة للتحقيق مع السائق الجديد انتهت إلى مسؤوليته عن ضياع الطاسة في السيارة التي بعهدته وتمت معاقبته بالخصم من الراتب فقرر هذا السائق الجديد للخروج من المشكلة شراء طاسة جديدة وعندما علم المدير بذلك شك في الموظف وأحاله للجنة أخرى للتحقيق معه لخيانته الأمانة وأثناء التحقيق جاء مدير جديد فسأل عن المشكلة فقيل له إن الطاسة ضايعة فظن أن الموظف مجنون فأحاله لمستشفى المجانين. في عالمنا العربي نجد أن الحلول للمشاكل لا تعالج المشكلة بل تخلق مشكلة أخرى تصبح في حد ذاتها مشكلة ذات كيان منفصل عن سابقتها وهكذا تتكاثر المشاكل كورم سرطاني خطير يتكاثر ويتوالد ويتضاعف والحلول لا تجدي ولا تنفع بل حتى الحلول تصبح مشكلة في حد ذاتها. المشاكل تبدأ من سوء التشخيص ومن عدم معرفة الأخطاء وتكرار ارتكاب نفس الأخطاء، والحلول التي يتم تطبيقها هي في حقيقتها مشاكل وأخطاء جديدة تضاف للمشكلات السابقة ومتفرعة عنها، كما أن الحلول توسع المشاكل في اتجاهات مختلفة مما يصيب الآخرين ويوقعهم في إشكالات نتيجة سوء التخطيط، والخطير في الموضوع أن الذي يريد حل المشكلة ويعمل على إنهائها يصبح جزءا من المشكلة ويتضرر شخصياً ويعتبر عمله ومبادرته تصرفا غير مقبول يستوجب العقاب والمحاسبة. المشاكل تصبح جزءا من الواقع لا يتم التفكير في حلها وإنما في البحث عن شخص يحمل المسؤولية، والعقاب هو الوسيلة المثلى لحل المشاكل حتى لو كان الشخص غير مذنب. كما أن عدم وجود آليات وقواعد منظمة وفِي مثالنا السابق عدم وجود إجراءات الاستلام والتسليم ساهم في خلق مشكلة الطاسة الضائعة. الوقت المبذول في حل المشكلة ما هو إلا انشغال في خلق مشاكل أخرى تضاف إلى ما هو قائم. مما يعني أن الحلول تساهم في تكريس المشكلة والابتعاد عن الحلول. أزمة الفكر وثقافة شماعة الأخطاء التي توضع عليها الأخطاء بدلاً من البحث عن جذور المشكلة، والتعصب للرأي والقناعات المسبقة والمفاهيم الخاطئة وعدم وجود البنية التنظيمية والقانونية، وعلى سبيل المثال فليس هناك كود بناء ملزم مما ينتج عنه مبان لا تتوفر فيها أقل الاشتراطات الضرورية الواجب توفرها. كما أن ضعف أداء الجهات التنفيذية والأجهزة وضعف معايير الرقابة كلها مشاكل تضاف لمشكلة أزمة الفكر والثقافة. وما ذكرته من أسباب يصدق على كل المستويات الشخصية أو الفردية وعلى نطاق الشركات والمؤسسات وعلى مستوى العائلة أو المدرسة. وسيظل السؤال المحير إِيش المشكلة فلا يجد السائل جواباً مقنعاً غير أن الطاسة ضايعة. *كاتب سعودي osamayamani@ [email protected]