نحن نشهد منذ فترة بفضل تزايد الوعي نشوء ظاهرة يمكن أن نسميها «الحاسة الاجتماعية»، حيث إن كثرة تداول النظريات التي أصبحت رائجة في سوق الأفكار والتجارب أظهرت أفكارا جديدة في جيل الشباب المتطلعين إلى كل تجديد، على الرغم من تباين الاتجاهات واختلافها إلا أنها فيما يبدو تتفق على نقطة واحدة، وهي الرغبة في الحركة والتجديد والتعلم، حينها استيقظ المعنى وتحولت الشكوى إلى جدل ومحادثات ونقاشات واستعراض مهارات، وأصبح الناس يتجمعون حول من يتحدث عن قضاياهم. تلك القضايا ليست بحاجة للتحجيم أو التحوير أو اتهام النقاد بسوء نواياهم تجاهها، لكنها تنتظر الدور والعمل والتقبل أكثر من المواقف المعارضة، والحاجة التي لا يمكن تجاهلها هي البحث الدائم عن السلبيات وتحليلها ومحاولة علاجها والتخلص منها، بمقابل تسليط الضوء على الإيجابيات من أجل تطوير الأداء، ولكن علينا أن لا نخلط الأمر ونلغي أحدهما بالآخر، فنذكر الإيجابيات حين نريد أن نواري الخطأ، ونتهم الناقد للسلبيات بخداع الرأي العام؛ لأن تحسين شكليات الحوار والنقد في الأخذ والرد حول هذه المسائل لا علاقة له بتأويل النوايا، وهي معادلة واضحة لا تحتاج إلى تفسير يخرجها عن إطارها، إنما هي تقتضي جرأة المواجهة والاعتراف بالخطأ الذي لا يوجد لتبريره معنى سوى الاستمرار فيه، وحين ننتقد الأخطاء فهذا يعني الحاجة إلى تحسين الأداء، ولا يعني ذلك أننا نلغي الجوانب الأخرى، فضلا عن أننا لسنا بحاجة إلى استعراض الإيجابيات دائما لتبرير حسن نوايانا. الأمر يقتضي في نهاية المطاف حاجتنا الماسة للنقد واستعراض مشكلات الواقع الحقيقية وشيئاً من القبول حتى يؤدي النقد جدواه، وهو ليس ثقافة فقط، بل واقع نعيشه ويأتي فيه الكثير من المشكلات التي لا نجد طريقاً لعلاجها، فيما أن التغيير للأفضل يأتي تبعة ضرورية لكل فكرة نقدية إذا ما وجدت قبولها وعملنا عليها بإخلاص.