شاهدت فيلما وثائقيا بعنوان «Narco Cultura- ثقافة تجار المخدرات» 2013، سلط الضوء على مكون تم إهماله بدراسات أسباب انتشار عصابات المخدرات بالمكسيك التي تعيش أجواء حرب أهلية بين تجار المخدرات والدولة ومن لا يوالون تجار المخدرات، وأعداد الضحايا سنويا بأمريكا اللاتينية بسببها تفوق أعداد ضحايا الحروب بالعراق وسوريا، والمكون الذي تم إهماله هو الحاضنة الثقافية التي تعيد إنتاج أجيال جديدة من تجار المخدرات باستمرار مما يجعل قتلهم وسجنهم لا يشكل فارقا، فالثقافة التي تروجها الأغاني والمسلسلات والأفلام تمجد تجار المخدرات وتظهرهم كرمز للقوة والثراء وعنتريات الفحولة والجاذبية الجنسية، ولعل المقطع الذي يلخص واقع الثقافة التي تقولب الأجيال ليتورطوا بالمخدرات؛ سأل فيه مخرج الوثائقي مجموعة من المراهقات المتجمهرات حول فرقة موسيقية تخصصت بتمجيد تجار المخدرات عن سبب تواجدهن فكان جوابهن أنهن يطمحن للارتباط بتجار المخدرات ولهذا يحببن من يمجدهم، كما أن المراهقين الذكور يطمحون لأن يصبحوا تجار مخدرات بسبب مسحة الجاذبية السينمائية التي أضفيت عليهم، وركز المخرج على فرقة موسيقية تخصصت بتمجيد تجار المخدرات حتى إنها تتلقى اتصالات من تجار المخدرات ليخبروهم بأحداث معينة يريدون منهم تأليف أغانٍ تمجدها، والمغني يتصفح يوميا موقعا بالإنترنت متخصصا بنقل المجازر التي تقترفها جماعات المخدرات ليستلهم منها كلمات لأغانيهم، والمفارقة أن أمريكا التي تدعم دول أمريكا اللاتينية بالطائرات الحربية لقصف مواقع عصابات المخدرات تسمح بإقامة حفلات موسيقية لهذه الفرقة وأمثالها وتعاقدت معها أكبر سلسلة للسوبرماركت العائلي بأمريكا «وال مارت» لتوزيع ألبوماتها، وعموما كل العالم يعاني من كوارث تسلط الهمج والرعاع على وسائل التعبير الثقافي والفني، ويكفي فقط استعراض أكثر الأفلام والمسلسلات والأغاني الأمريكية رواجا عالميا فكلها تمجيد للمجرمين وتجار المخدرات والسيكوباتيين وثقافة العصابات والسرقة ولا تختلف عن مقاطع داعش في تفننها بالسادية، ومعها أيضا تمجيد النصابين والمحتالين الذين تسببوا بالانهيار الاقتصادي الكبير بأمريكا 2008م، بالإضافة للدعارة والانحرافات الجنسية وما عاد هناك حد فاصل بين المواد الإباحية والأفلام والمسلسلات العادية، حتى المغنيات المراهقات اللاتي جمهورهن من الطفلات لأنهن بدأن بقنوات ديزني أداؤهن مستمد من نوادي الإباحية والدعارة، فصارت الطفلات تتشبه بهذا الانحطاط، وكله أدى لنكوص للبشرية من ثقافة التحضر والجمال والشاعرية وتمحيص المعضلات الوجودية الفكرية والنفسية والروحية التي كانت تناولها وسائل الثقافة والفنون.. إلى ثقافة الهمجية والإجرام فساهمت بانتشار الجرائم، ولو اتفق العالم على منعها كما منع مواد الإرهاب فعندها فقط يمكن القضاء على حاضنة الإجرام الثقافية. [email protected]