في الماضي غير البعيد كانت الفضائيات تنتقي نوعية ما تعرضه من أفلام ومسلسلات وأغان غربية وعلى الأقل كانت تحرص على عدم نقل ما يوصف حتى في الغرب باتجاهات مفسدة كأفلام وموسيقى العصابات والمخدرات «الراب» القائمة على تمجيد جو العصابات وإثبات الذات بالجريمة والمخدرات والتباهي بالمال السهل الذي تحصله منها وغالب نجوم هذا الاتجاه خرجوا من بيئة العصابات الحقيقية ولقي عدد منهم مصرعهم في أعمال عنف متعلقة بالعصابات وأحدهم واشتهر بتمجيده للمخدرات قام تحت تأثيرها بأكل جذع ورئة عشيقته، وحسب الخبراء فأصل البناطيل المتهدلة التي تكشف عن اللباس الداخلي للشاب الذي روجته ثفافة الراب هو أنه في السجون الأمريكية مقاس ملابس السجن موحد ولأنه ممنوع ارتداء الحزام والمطاط حتى لا يستعمل للخنق والانتحار فبناطيل أتباع العصابات المسجونين تتهدل كاشفة عن لباسهم الداخلي لأنها أكبر من مقاسهم ولا وسيلة لتثبيتها، فظهر نجوم هذا الاتجاه بهذا المظهر في كليبات أغانيهم التي تصور نمط حياتهم فصارت موضة. والموضة الثانية التي انتشرت بين فتيات المدارس لدينا هي «الإيمو-emo» والتفسير الشائع للاسم أنه اختصار لكلمة «عاطفي» بالإنجليزية، والإيمو سليل اتجاهات موسيقية تعبر عن أجيال غاضبة ومحبطة من الواقع المعاصر والتفكك الأسري وتعبر عن سوداويتها بالموسيقى الصاخبة الغاضبة والإدمان والمتمرد على الأعراف الاجتماعية، ومع تدخل السينما وعالم الأزياء تطورت لموضة «الجوث» المتميزة باللباس الأسود وقصة الشعر المسرحية الطابع ووضع الجنسين ماكياج أسود، ومن مزيج من هذا الاتجاه واتجاهات جنسية منحرفة كالمازوخية وهو الاستمتاع الجنسي الطابع بالأذية والإهانة والألم في الإنتاجات الإباحية التي تسيطر رموزها على كليبات الموسيقي الغربية وأفلام مصاصي الدماء، وظهور بدعة عبادة الشيطان وتيار الانحراف الجنسي، تكرس اتجاه كالإيمو ذي النزعات المعادية للمجتمع والسوداوي الانتحاري الميول الذي يضخم الأمور غير المرضية في حياته ليجعلها مآسي كبرى تبرر تشاؤمه وكراهيته لأهله وتمرده على المجتمع لكي يستطيع التماهي مع جو هذا الاتجاه في موسيقى الهارد روك، فعندما قام أشهر نجوم الروك بتجريح صدره على المسرح صار المعجبون يجرحون أنفسهم في حفلاته فهددته السلطات بمنع حفلاته خوفا من الإيدز، وتجريح وأذية الذات في الأصل حالة نفسية نادرة تصيب بعض الذين يعانون الكآبة الشديدة وما يرافقها من شعور بتأنيب الضمير، وإيذاء الذات أشبه بمعاقبة للذات لإراحة الضمير وقد ترتبط بالتعرض للاعتداءات الجنسية أو تكون للفت النظر واستجداء العطف كمحاولة الانتحار بدون قصد الموت، لكن هذا العارض النفسي تم دمجه في صناعة الترفيه بالاتجاه المازوخي الذي تروج له أفلام ومسلسلات مصاصي الدماء والتي وللأسف تحتفي بها الفضائيات العربية، وصار موضة لدى الإيمو تجريح أنفسهم، ومنه اتجاه الإفراط في الوشم وغرس الحلقات المعدنية في الجلد وتعليق أجسادهم بخطاطيف مغروسة بلحمهم، فتجريح الجسد وإيلامه ونزف الدماء جعلوه أمرا ذا طابع جنسي. ولمن لا يعرف أسطورة مصاصي الدماء فأصلها يعود لقصة توراتية، حيث اعتقد المسيحيون في العصور الوسطى بأن الناس إذا كانوا غير صالحين لا تحمي الملائكة جثثهم فتدخلها الشياطين وتستعملها وتبقي الجثة حية بدون روح صاحبها عبر مص الدماء، وبهذا فأفلام ومسلسلات مصاصي الدماء التي تكرس اتجاه المازوخية حيث تصور مص الدماء والقتل على أنه أمر جنسي الجاذبية وتصور مصاصي الدماء كأبطال قصص الغرام الرومانسية هي حقيقة تصور علاقات غرام مازوخية بين الشياطين والبشر، وقد وقعت عدة جرائم قتل حقيقية بهدف مص دم الضحية تأثرا بتلك الأفلام. لكن غالب من يتبع هذه الاتجاهات هو «متمرد بلا قضية» فحس التمرد الفارغ بالمظاهر بات الاتجاه السائد في الثقافة والموسيقى الغربية، وموسيقى الروك اشتهرت بتمجيد الشيطان كرمز للتمرد وبالعموم تمجيد المتمردين على مسلمات المجتمعات «كأليستر كرولي وأنطوان ليفي» مؤسسي بدعة عبادة الشيطان وأيضا تمجيد المسيح الدجال والسفاحين فأشهر نجوم الروك والذي مجد المسيح الدجال بأغنية باسم الدجال سماه فيها «بالسوبر ستار» أظهر على المسرح سيناريو لسيادة دولة الدجال ونصب راياته على النمط النازي وجعل الجمهور يهتفون بتحية شخصية الدجال كأنهم جنوده ومزق الإنجيل على المسرح، اختار هذا المغني اسما مركبا لنفسه جزءه الأول من اسم الممثلة مارلين مونرو تمجيد لمبدأ الموت شابا الذي يعتنقه هذا الاتجاه ولهذا يغلب عليهم الموت منتحرين إن لم تقتلهم الكحول والمخدرات التي هي جزء أساسي من نمط حياتهم والجزء الثاني من اسمه هو من اسم أكبر سفاح معاصر أمريكي، وهذا المغني هو الذي يجرح نفسه على المسرح، ويتهم هذا المغني وأمثاله بأنهم سبب قيام الفتية بحوادث الهجوم على مدارسهم وقتل والديهم والانتحار لأن أغانيهم حرفيا تأمر الشباب بفعل ذلك.. لكن غالبا الشباب في مجتمعنا لا يدركون الارتباطات والدلالات المتعلقة بالموضة التي يتشبهون بها ويتوهمون أنها تظهر استقلاليتهم بينما في الواقع هي تظهر مدى تبعيتهم «وعلى عماها» وتتسبب في مضاعفة كآبتهم لأنها تعزلهم عن المجتمع وتجعلهم موضع سخرية واستهجان واتهامات بما يرتبط بتلك المظاهر من انحرافات عقائدية وأخلاقية في الغرب، ومن أراد التعبير عن حزنه فليأخذ طريق «الحزن النبيل» الذي لا يكون بالمظاهر الاستعراضية إنما بالاستئناس بالإنتاجات الأدبية والفنية والمعرفية التي تعطي الإنسان فهما لحكمة الحرمان والمأساة في حياته وتجعله يدركها من منظور أكثر عمقا وجوهرية يجعله إنسانا أكثر عمقا وجوهرية، وعبر التاريخ العظماء كانوا من أهل الحزن النبيل. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 217 مسافة ثم الرسالة