تبقى الأخلاق الإسلامية من النعم الكبيرة والجزيلة التي أكرمنا بها هذا الدين العظيم وجعلها مسلكا وممسكا لكل مسلم على سطح المعمورة، فإن للأخلاق أهمية بالغة لما لها من تأثير كبير في حياة الأفراد والجماعات والأمم، ولهذا فقد حفل القرآن الكريم بها واعتنى بها أيما عناية، فقد بينت سور القرآن الكريم وآياته أسس الأخلاق ومكارمها، وكذلك اعتنت السنة النبوية بالأخلاق والمعاملات عناية فاقت كل التصورات، وعد بعض العادين أن وجود 20 ألفا من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، و40 ألفا في الأخلاق والمعاملات، دليل على عناية السنة بالأخلاق كعناية القرآن الكريم بها. وللأخلاق أهمية بالغة باعتبارها من أفضل العلوم وأشرفها وأعلاها قدراً، لذلك نجد بعض العلماء عندما يتحدث عن بيان قيمة علم الأخلاق بالنسبة إلى العلوم الأخرى يقول بعضهم: إنه إكليل العلوم جميعاً، ومنهم من يقول: إنه تاج العلوم، ومنهم من يقول: إنه زبدة العلوم. ذلك أن العلوم الأخرى تساعد أساساً على الأخلاق في الكشف عن النافع والضار، والخير والشر وهما موضوع الأخلاق، فتعتبر تلك العلوم وسائل معينة لتحقيق هذا العلم. كما أن علم الأخلاق يستخدم العلوم الأخرى في الكشف عن مهمته وتحقيق أهدافه. ولا شك أن سلوك السلوك الأخلاقي دليل على ما في نفس الإنسان من خير، وصلاح أخلاقه دليل على صلاح سريرته والعكس صحيح، فسلوك الإنسان موافق لما هو مستقر في نفسه من معان وصفات، يقول الإمام الغزالي «فإن كل صفة تظهر في القلب يظهر أثرها على الجوارح لا تتحرك إلا على وفقها لا محالة». و إن هدف الأخلاق تحقيق السعادة في الحياة الفردية والجماعية. ذلك أن الحياة الأخلاقية هي الحياة الخيرة البعيدة عن الشرور بجميع أنواعها وصورها، فإذا انتشرت الأخلاق انتشر الخير والأمن والأمان الفردي والجماعي، ولهذا قال أحد الأخلاقيين الفرنسيين: إن الحياة من غير قيم – وإن كانت حلوة على الشفاه – فإنها مرة على القلوب والنفوس وكذلك إنها وسيلة لنجاح الإنسان في الحياة: فالإنسان الشرير المعتدي على أموال الناس وأنفسهم وأعراضهم، لايمكن أن يكون محبوباً بين الناس، فلا يثقون به، ولا يتعاملون معه، ثم إن الغشاش لابد أن ينكشف يوماً من الأيام فيظهر غشه وخداعه، إن عاجلاً أو آجلاً، يخبرنا التاريخ أن سقوط كثير من الأمم والحضارات كان بسبب انهيار الأخلاق كما قرر ذلك ابن خلدون وغيره، وسئل أحد وزراء اليابان ما سر تقدم اليابان هذا التقدم ؟ فقال الوزير: «السر يرجع إلى تربيتنا الأخلاقية..» «ولهذا كان النهج السديد في إصلاح الناس وتقويم سلوكهم وتيسير سبل الحياة الطيبة لهم أن يبدأ المصلحون بإصلاح النفوس وتزكيتها وغرس معاني الأخلاق الجيدة فيها». [email protected]