أكد مفتي لبنان الدكتور محمد رشيد قباني أن المرأة في الإسلام لها مكانة كبيرة لا يدركها من الرجال إلا القليل، لافتا إلى مكانتها العظيمة في القرآن والسنة النبوية المطهرة. واستنكر قباني في الوقت ذاته الركون إلى الغرب والاستسلام لشعارات تحرير المرأة البراقة التي تبدو في ظاهرها الدعوة لنيل الحقوق، في حين أنها تنال حقوقها من خلال الدين الإسلامي كاملا غير منقوص، وأكثر مما ينادي به الغرب، مبينا أن الإسلام جعل للمرأة حق التنافس في عمل الخير وشؤون الحياة وغير ذلك.. فإلى التفاصيل: كيف للمسلم أن يهذب نفسه خلال هذا الشهر المبارك؟ في البداية أهنئ جميع المسلمين وخاصة في بلاد الحرمين الشريفين بشهر رمضان المبارك. الله تعالى حدد في بعض النصوص والآيات في القرآن الكريم غايته وهدفه فقال الله تعالى «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» وتحقيق التقوى هو غاية الصوم. هناك وسائل كثيرة وعديدة لتحقيق هذا الهدف ولكن الصوم هو أكبر وأعظم هذه الوسائل لتحقيق هذا الهدف الكبير وللتقوى صلة كبيرة بتهذيب النفوس. القرآن الكريم هو كتاب الهداية للناس كما قال تعالى «إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم» ويقول أيضا إنه أنزله في شهر رمضان وقال في نفس الغاية «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس». الهدى يكمن في هذا القرآن وهو ما نص عليه تعالى في أول سورة البقرة بقوله «ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين». التقوى إذن هي الهدف والغاية في نفس المسلم وكل من يعتنق الإسلام. التقوى كلمة جامعة لخصال الخير كلها والتقي هو الذي يقي نفسه من الشرور والمعاصي والآثام ويستقيم في حياته على طاعة الله تعالى الذي أخرجنا بالقرآن الكريم من الظلمات إلى النور. وقد قال الله تعالى «الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور»، كما قال جل وعلا «هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما». وقد شرع الله لنا صوم شهر رمضان لتزكية نفوسنا وتطهيرها وتعويدها على طاعته والفوز برضاه، فهو الله الخالق ونحن المخلوقين وهو أعرف بما منذ خلقنا وقال تعالى في القرآن الكريم «هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى». وفي الصيام وفي تلاوة القرآن وإقامة الصلوات وذكر الله تعالى ومنع النفس عن كل الأخلاق السيئة وتعويدها الأخلاق الطيبة ومكارمها فالصيام تعويد للنفس على طاعة الله والسعي في رضاه. كما أنه عامل كبير في تزكية النفوس وتطهيرها من المعاصي والآثام حيث إنه ليس انقطاعا عن الأكل والشرب فقط بل عن كل ما يخالف الأخلاق الكريمة ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم «فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسخط فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم» والرفث هو الكلام البذيء والسخط منه التشدد والتعنت والضجيج وجميع المحاولات التي لا تليق بالإنسان في السلوك. هذا يعني أن الصيام ليس فقط عن الأكل والشرب والشهوات، بل أيضا عن كل ما يخالف الأخلاق السليمة. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». والصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء». هذا يعني أن الإنسان عندما يكون صائما عليه المحافظة على كلامه. وأجر الصوم يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي كما أن الإيمان نفسه عند أهل السنة والجماعة يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش»، وهذا لأنه لم يحقق في نفسه وصيامه كل هذه المعاني السامية التي ذكرناها. هذه بعض الفوائد التي يجنيها الإنسان من الصيام وهي تزكي نفسه وتهذبها ليكون على نفس مستوى الرحمة التي بعث الله بها النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى نفس الغاية التي حددها لرسالة الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». التعايش والتسامح كثير من المسلمين يقضون صومهم بين من يختلفون معهم في الديانة أو الفكر أو المعتقد، كيف نستطيع تكريس التعاون والتعايش والتسامح وكل ما كان عليه نبينا صلى الله عليه وسلم؟ الله تعالى خالقنا وأرادنا أن نكون كاملين. خلق الله تعالى هذه الحياة وخلق فيها الناس وجعلهم موضع اختبار فقال في القرآن الكريم «الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا». الله أعلم بنا ولكن يريد من كل إنسان ممن أحسن عملا في كل شيء. من هنا يستمد المسلم من القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهي وحي من الله ليس باللفظ وإنما بالمعاني، يستطيع الإنسان بهذه التعاليم أن يحقق المعاني الفاضلة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم وحددها بقوله «إنما بعثت لأتمم كارم الأخلاق» والإنسان الكريم الأخلاق والسامي في سلوكه يكون ذا أخلاق عالية. النبي صلى الله عليه وسلم يقول كذلك «إن الله يحب كل هين لين سهل». ليس المقصود من الهين اللين ذلك الذي يضيع أمور دينه، ولكن يريد الإنسان الذي يحسن التعامل مع أهل بيته ومع والديه وأبنائه وزوجته وجيرانه ومع سائر الناس. وهذا يعني أن الله لا يحب الإنسان الذي يكون صعبا ومتشددا ومتنطعا. الأمر في نفس الإنسان، والنفس لها طباع فقد تكون في طبيعتها قابلة للقسوة وللين، قابلة للصعوبة والسهولة. بالتربية والتعويد والإرادة يستطيع الإنسان أن يزكي نفسه ويطهرها من كل سوء. لذلك قال الله تعالى عن النفس التي يحملها كل إنسان ويستطيع تزكيتها «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها». الله يقسم بالنفس مع أنها قابلة للإيمان والفجور، وقال عنها «قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها» زكاها أي طهرها. ودساها يعني أفسدها. وقال تعالى في القرآن أيضا «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». أي بتزكيتها وتحسين طبائعها وتحويلها للخير. من القواعد في الإسلام والقرآن التي تعلمنا كيف نكون متسامحين سواء مع المسلمين وهذا من أسس الإسلام، وحتى مع غير المسلمين لأننا ندعوهم إلى الإسلام بسلوكنا وأخلاقنا العالية. الإسلام لم يصل إلى العالم بالسيف. كما أن السيف لم يكن لقهر الناس على الإسلام إنما لأن هناك ظروف اقتضتها وكانت ظروفا عادلة لأن المسلمين كانت تدافع عن أرض الإسلام والغزوات على الغير كانت لأنهم هم الذين بدأوا الاعتداء على المسلمين. إذن الإسلام وصل إلى العالم بالأخلاق الفاضلة. اليوم ولكل من قال إن الإسلام انتشر بحد السيف أقول إن الإسلام في الثلاثين سنة الأخيرة وبالذات في السنوات العشر الأخيرة ينتشر بشكل هائل في العالم وخاصة في أوروبا المتقدمة ماديا. أين السيف الذي يشهره المسلمون في العالم وحال المسلمين ودولهم في حال ضعيفة؟ العقائد لا تنتشر بالسيوف أو القهر أو الإجبار. الإسلام ينتشر بالأخلاق الفاضلة التي يراها الناس في بلدان العالم المختلفة. حتى نكون محبوبين في العالم كله جاء التوجيه الكريم من القرآن في قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بداية وهو يحل محل أمته في الخطاب «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك». الأفكار الهدامة كذلك قوله «فاعف عنهم» يدعونا أيضا للابتعاد من الغلو والأفكار الهدامة؟ نعم، هذا التشدد والتنطع الذي نراه من البعض قد يكون شبابا ولكن ليس كل الشباب ولكن لا يظهر في الناس إلا الأمور الشاذة. التسامح موجود في جمهور المسلمين وكذلك الاعتدال ولكن النافر والمنفر ويخرج على قواعد الإسلام وأهدافه وغاياته. عندئذ ينفر الناس من الإسلام وتكثر الإشاعات ممن لا يريدون خيرا للدين وهذه خطيئة الناس وليس الدين. قضايا الأمة هذا يقودنا إلى قضايا الأمة وواقعها، كيف نستطيع أن ننهض بواقع الأمة الحالي؟ الأمة تنهض بكل فرد من أفرادها سواء من البيت وهو الخلية الأولى للمجتمع والأمة. البيت المثالي هو الذي يتعامل فيه الزوج والزوجة بالحسنى والكلمة الطيبة، والله تعالى يقول «وعاشروهن بالمعروف». الله تعالى أوصى بذلك لأن المرأة موضع ضعف لذلك أمر الله الرجال بالرفق بالمرأة لأن هناك من يقسون مع نسائهم ويكون غليظ القلب. البيت الذي يكون فيه التعامل بالمعروف يكون أبناؤه أبرارا صالحين ويكون البيت مثاليا. إذا كانت كل بيوت المسلمين مبنية على ذلك يكون النهوض والتطور ولا تكون الأمة راكدة أو خامدة. إذا جئنا إلى رجال الفكر والثقافة والتربية والتعليم ويقومون بأدوارهم كما هو مطلوب منهم ويقومون بتنشئة طلابهم وأبنائهم على ثقافة الإسلام وآدابه وتعاليمه ونصوص القرآن والسنة التي تعرف المسلم بأمته وكيانها والمكانة التي أرادها الله لها بقوله «كنتم خير أمة أخرجت للناس». عندما يشعر المسلم العادي والمواطن والطالب بأن أمته ينبغي أن تكون خير الأمم يريدها الله تعالى ليعتبرها الناس نموذجا للخير. والله تعالى يقول «وكذلك جعلناكم أمة وسطى» وهذا يعني أن التربية والسلوك ينبغي أن تكون وسطا واعتدالا دون تطرف أو تنطع إلى جانب الغلو أو التهاون والتفريط. معاناة الأمة هل ترون أن الأمة عانت كثيرا من هذه الويلات؟ نعم والله تعالى قال في القرآن الكريم عن قاعدة أساسية في سلوك البشر «ولولا دفع الله الناس بعضهم لفسدت الأرض» وهذا يعني أن الخير يدفع الباطل والاعتدال يدفع الغلو. وقال «بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق». الأسرة والمجتمع أولى الإسلام أهمية كبيرة للأسرة والمجتمع، كيف نستعيد هذا الدور؟ المرأة في الإسلام لها مكانة كبيرة لا يدركها من الرجال إلا من رحم ربك، ولها مكانة عظيمة كبيرة في القرآن والسنة النبوية ولا تدرك النساء إلا بعضها ولذلك قال الإمام النووي رحمه الله تعالى «وللنساء حقوق كثيرة في الإسلام يغفلن عنها فينبغي تعريفهن بها». الركون إلى الغرب والاستسلام لشعارات تحرير المرأة وهي شعارات براقة وإن كانت في الظاهر تنال بعض هذه الحقوق إلا أنها تنال أكثر في الإسلام. على سبيل المثال في ميدان العمل فإن الرجل والمرأة يأتيان في خطاب واحد ولكنها تسبق الرجل في العمل الخيري إذا كانت نيتها أفضل من نيته وإخلاصها أكثر. الرجال والنساء يقول عنهما صلى الله عليه وسلم «النساء شقائق الرجال»، ويقول الله تعالى «من عمل صالحا من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون». التنافس بين الرجل والمرأة ينبغي أن يكون بالعمل الصالح في البيت والمجتمع يجب أن يكون بالعمل الصالح وليس بهذه الشعارات. كذلك عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته الأخيرة أوصى بالنساء خيرا وكذلك بما ملكت الأيمان وهذا يعني الأرقاء والمحاربين الذين أسروا وهم لم يعاملوا في الإسلام معاملة طيبة. الإسلام عمل على تحرير هؤلاء لأنهم بشر وجعل ذلك في شكل كفارات. وقال في المرأة «رفقا بالقوارير»، والقوارير تعني الزجاج الشفاف الرقيق الذي يكاد ينكسر إذا مسه الإنسان. هكذا يريدنا الإسلام أن نكون مع النساء. المرأة هي الأم والأخت والزوجة والابنة. كل إنسان يريد فعل الخير لقرابته من النساء. لماذا يسقط بعض الرجال في إنسانيتهم عند معاملتهم للنساء؟ الإسلام قال إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. ليس المقصود الطلاق وإنما المقصود هو الإحسان للمرأة. سيدنا الحسن رضي الله عنه عندما طلق زوجته وأعطاها مهرها أعطاها 10 آلاف درهم وخادمان ليخدماها. هذا درس في الإنسانية.