قبل أيام معدودة، وبمجرد تداول الأخبار المفزعة حول تطبيق يحمل اسم «لعبة مريم» التي يقال إنها تنتهك خصوصية الأجهزة وتسرق بياناتها وتتسبب في إحداث حالة نفسية لمستخدميها وإنها مستوحاة من لعبة أجنبية تدعى «الحوت الأزرق» انتشرت بين المراهقين وتسببت في عدد من حالات الانتحار حول العالم، كان أول ما بحثت عنه لمعرفة حقيقة هذه اللعبة الرقمية هو الأجهزة الذكية للأبناء في المنزل، وكما راودني شعوري وجدتها محملة في جهاز ابنتي وناصحتها حول مساوئها وضرورة حذفها بلين وصبر أسوة بالحكمة «لا تجبروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم»، ولا شك أن كل أسرة تواجه تحديات معقدة في تربية أبنائها في ظل تسارع التطور التقني والمد الرقمي الذي غزى كل أفراد الأسرة من مختلف الأعمار وبات يفرز لنا العديد من الظواهر والتقليعات الغريبة وكل ما تتقيأه لنا هذه التقنيات من سلبيات داخل معقل الأسرة ويحطم حصون خصوصيتها ويمثل تهديداً مباشراً على قدرة أولياء الأمور في ضبط السلوك التربوي للأبناء داخل محيط الأسرة والمدرسة والبيئة المحيطة، ولم يعد باستطاعتهم وحدهم مواجهة الأخطار والسلبيات التي تهدد كيان الأسرة واستقرارها والقدرة على تربية النشء بمعزل عن هذا التداخل التقني.. فما هو الحل؟! في الماضي القريب، كان التلفاز وما يشاهده الأبناء عبر الفضائيات يشكل تأثيراً مباشراً على سلوكياتهم، ولكنه لم يكن تحدياً مستعصياً على الآباء في السيطرة على ما يشاهده الأبناء عبر الشاشات، أما الآن ومع دخول عصر الأجهزة الذكية وتقنيات التواصل الاجتماعي، اختلف الأمر كثيراً وتعقدت التحديات، وباتت تتطلب من أرباب الأسر مواكبة هذا التطور التقني المتسارع ومعرفة ما يصول ويجول في هذا الوسائل، والمخاطر التي تجلبها لنا ويتلقفها الأبناء بسرعة البرق عبر كم هائل من القنوات الرقمية، مثل اليوتيوب والسناب شات والواتساب والانستغرام.. إلخ، فهذه الوسائل ألغت الحدود الجغرافية والحواجز مع المجتمعات الأخرى، وأصبحنا في مواجهة متسارعة ومباشرة مع ما ينتقل إلينا من سلوكيات وتقليعات وسلبيات في مجتمعات أخرى تختلف عنا في عاداتها وتقاليدها. وأذكر قبل أربع سنوات، انتشر مقطع في اليوتيوب حظي بقرابة مليون مشاهدة في يومه الأول لشاب جامعي، قام بتصوير نفسه وهو يرفع لوحة كرتونية يطلب فيها من المارة بأحد شوارع العاصمة الرياض «حضناً مجانياً» (Free Hug) بحسب ما هو مكتوب على اللوحة، وانتشر المقطع كالنار في الهشيم، إذ لحقه في اليوم التالي عشرات المقاطع المشابهة وامتد الأمر لمعاكسات في الشوارع، وأجريت مع ذلك الشاب حواراً صحفياً في «عكاظ» بعد الانتشار الواسع للمقطع الذي تحول بين عشية وضحاها إلى ظاهرة، وقال لي تحديداً إنه نقل تجربة شاهدها في أحد البرامج الغربية وأعجب بالفكرة، ولكنه تفاجأ من تحويرها سلبياً، وسوء استخدام الفكرة التي نقلها عن حسن نية، لتتحول إلى وسيلة لمضايقة الآخرين. وذات الأمر ينطبق على العديد من التقليعات التي انتشرت بين المراهقين وتسببت في الكثير من السلبيات والحوادث الخطيرة، من بينها تحدي الثلج الذي تطور في الآونة الأخيرة إلى تحد أشد خطورة وهو خلط الثلج بالملح والذي يتسبب في تفاعلات كيميائية تؤدي إلى حروق شديدة ونتج عنه عشرات الحوادث الكارثية داخل المنازل. ومن آخر التقليعات التي جلبتها لنا التقنية في الآونة الأخيرة، كانت رقصة «داب»، وهي الحركة أو ردة الفعل من تدخين بعض أنواع المخدرات مثل الماريجوانا والكراك (أحد أصناف الكوكايين)، حيث إن حرارة تجويفها في الرئة تتسبب في حدوث كحة شديدة فيقوم مستخدم هذه المخدرات بوضع مرفقه ومنكبه تلقائياً على فمه من شدة حرقة الكحة، ثم حولها أحد مغني فن الراب في الولاياتالمتحدة إلى رقصة فنية، وانتقلت إلى مجتمعنا عبر اليوتيوب والسناب شات وغيرها من الوسائل، والآن تدخل مكافحة المخدرات السعودية لملاحقة الشخصيات المعروفة التي تؤديها بعد أن أصبحت ظاهرة منتشرة بين المراهقين سواء عن دراية وإلمام أو عن جهل. الدور المفقود في كل ما سبق هو المسؤولية التربوية المشتركة التي تقع على عاتق وزارة التعليم ولم تؤدها كما يجب، إذ يستحيل على أولياء الأمور أو المعالجات الإعلامية أو بعض الجهات الأخرى مثل مكافحة المخدرات والجهات الأمنية احتواء هذه الظواهر السلبية، ولذلك على وزارة التعليم أن تؤدي رسالتها التربوية حسب ظروف هذا العصر، وعليها أن تجهز حملات دعائية تخاطب بها أولياء الأمور والطلاب عبر رسائل ال SMS وتويتر وغيرها من الوسائل، لتحذرهم من هذه الظواهر وتبعاتها، والمفترض على كل مدرسة أن ترسل مثل هذه الملاحظات والرسائل التوعوية إلى أولياء الأمور والطلاب لتنبههم وتوضح لهم كيف يتم التعامل مع هذه السلوكيات والتصدي لها، لأن دور الأم والأب وحده لم يعد كافياً في هذا الزمان.