صورة جميلة من صور القوة المعنوية عند المرأة العربية، ترسمها الدكتورة ريما خلف، الأمينة التنفيذية للجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (اسكوا) ووزيرة التخطيط ونائبة رئيس الوزراء السابقة في الأردن، التي قدمت استقالتها من منصبها الكبير في (اسكوا) رافضة أن تكون شريكا في صناعة التدليس وطمس الحقائق عن العالم. بعد أن أصدرت (اسكوا) تقريرا، أعده رئيس بعثة الأممالمتحدة لتقصي الحقائق في غزة ريتشارد فولك، يفضح انتهاكات إسرائيل لحقوق وكرامة الشعب الفلسطيني، ويقدم البراهين التي تؤكد أن إسرائيل تؤسس لنظام فصل عنصري تفرضه على الشعب الفلسطيني. استشاطت إسرائيل غضبا وساندتها في ذلك أمريكا، مدعية أن هذا القول كذب ومعاداة لإسرائيل وطلبت من الأمين العام للأمم المتحدة سحب التقرير! وسرعان ما بادر الأمين (غير الأمين)، إلى الانحناء أمام رغبة القوة الصهيونية المسنودة بالدعم الأمريكي، فطلب من د. ريما خلف سحب التقرير مدعيا أنه نشر بدون استئذان منه. لكن الدكتورة ريما (كما جاء في خطاب استقالتها) عدت سحب التقرير الذي يدين إسرائيل ويفضح عنصريتها البغيضة، شكلا من أشكال التحالف مع البغي والتهرب من شهادة الحق والانتصار للقوي ضد الضعيف، وهو ما يأبى عليها ضميرها فعله، فقدمت استقالتها. كان ذلك أضعف الإيمان عند د. ريما خلف، فهي ليس بيدها الإبقاء على التقرير، كما يقتضي الحق والعدل، ولكن بيدها ألا تكون شريكا في التآمر على طمس الحقائق وتزويرها. فكان أن فضلت الاستقالة من منصبها على أن تلوث يدها بمثل هذا الفساد. ريما خلف نموذج يبعث على الفخر بالمرأة العربية العاملة في عالم السياسة، ليس هذا فحسب، وإنما هي أيضا بفضحها هذا الإثم الإنساني الذي ترتكبه الأممالمتحدة بوقاحة وصفاقة تثير الاشمئزاز، تدعونا إلى إعادة النظر والتفكير بجدية، إن كان ثمة جدوى من الاستمرار في دعم هذه المنظمة الصورية؟ إن هذا التقرير المهم الذي يعري الجرائم الإسرائيلية، إن لم يجد لدى الحكومات العربية الصدى والاهتمام الذي يستحقه، ربما لانشغال الحكومات بمشاكلها الداخلية الخاصة، فإن المطلوب من الإعلام العربي أن لا يكون كذلك، فيقوم بواجبه الوطني والإنساني في إشهار موقف الأممالمتحدة المخزي والكشف عن الفساد الأخلاقي المتغلغل في أعماقها، وبيان كيف أن الضمير العالمي، تصيبه غيبوبة، متى تعارضت الحقوق الإنسانية مع مصالح الدول العظمى ومن تحب! [email protected]