يستهلك المرء نحو 35 كيلوغراماً من السكر كل عام، وهذا سبب كافٍ للتمييز بين الصح والخطأ في تأثيرات السكر في الصحة... صحيح أن لون السكر أبيض، لكن تأثيراته في الجسم ليست دوماً بيضاء. فهو يرتبط بعدد من الأوجاع والمشاكل المختلفة، رغم أنه أساسي لصحتنا. ثمة أنواع عدة من السكر. فهناك السكريات السريعة الموجودة في البسكويت والصودا والبونبون والحلويات والكريمات والشوكولا وبعض أنواع الفاكهة... تأتي هذه السكريات من الغلوكوز (المشتق من العسل والخضار والفاكهة) أو الفروكتوز (المشتق من الفاكهة أو نشاء الذرة أو القمح) أو السكروز (المشتق من الشمندر أو قصب السكر)، أو الغلوكوز-فروكتوز المشتق من رواسب الذرة. هذه السكريات السريعة، التي يمتصها الجسم بسرعة البرق، تدخل بسرعة إلى الدم، مما يرفع فجأة مستوى السكر في الدم ويسبب إطلاقاً قوياً للأنسولين. نتيجة ذلك، نشعر بنشاط سريع يليه نقص في الطاقة. في المقابل، يتم هضم السكريات البطيئة ببطء وهي تتغلغل بروية في الدم من دون التأثير في مستقبلات الأنسولين، مما يزود الجسم بطاقة دائمة. هذه السكريات البطيئة تأتي من النشاء (الموجود في الجذور وحبوب بعض الخضار)، والحبوب الكاملة، والمعكرونة، والخبز الكامل، والأرز، والعدس وبعض أنواع الفاكهة. تختلف آلية عمل هذه السكريات ونشرح لك في ما يأتي كيف تحسن الأيض أو تقوّضه. تعزيز المعنويات تحفز السكريات السريعة إفراز السيروتونين، وهو ناقل عصبي في الدماغ تتواصل عبره الخلايا العصبية، وهو مسؤول عن تنظيم العواطف والذي بفضله نرى الحياة وردية. للاستفادة جيداً من السكريات السريعة، يستحسن استهلاكها في فترة بعد الظهر. ففي الساعة الرابعة أو الخامسة بعد الظهر، تحصل آلية فيزيولوجية أحيائية مذهلة تعطي الضوء الأخضر للجسم لاستخدام احتياطاته من السيروتونين. يبدأ ذلك في الغداء: فعند استهلاك البروتينات (مثل اللحم والبيض والسمك)، يحصل الجسم على التريبتوفان، وهو حمض أميني ممهد للسيروتونين. إلا أن هذا الحمض يحتاج إلى سكريات سريعة للوصول إلى الدماغ، حيث يتم تحويله إلى سيروتونين. لذا، تناولي في فترة بعد الظهر حبة فاكهة طازجة أو مطهوة، مع حبتين أو ثلاث من الفاكهة المجففة (مثل المشمش والتين)، أو قطعة من الشوكولا السوداء أو ملعقة صغيرة من العسل أو المربى أو ملعقتين من البوظة... تنشيط الدماغ السكر هو الوقود الوحيد للدماغ. ويحتاج الدماغ إلى مقدار مكعب من السكر كل ساعة للعمل كما يجب، وتنظيم عمل أعضاء الجسم، وضمان اليقظة والأداء والتفاعل. وتشير الدراسات إلى أن 60 في المئة من السكريات المستهلكة يستخدمها الدماغ، فيما ترتفع النسبة إلى 75 في المئة عند الأطفال. واللافت أن السكريات البطيئة والسريعة ضرورية على حد سواء للدماغ، وهو يخزنها على شكل احتياطات في كل مكان: 70 غ في الكبد، 120 غ في العضلات، ومن ثم في التريغليسريد، أي الدهون المشتقة من السكر. لذا، يوصي الأطباء بتناول 250 إلى 300 غ من السكريات البطيئة إضافة إلى 5 أو 10 في المئة من السكريات السريعة (أي حبة فاكهة أو مكعبين من الشوكولا أو قطعتين من البسكويت). تسريع شيخوخة الخلايا إن تناول السكريات بإفراط يحفز تفاعلاً كيميائياً في البروتينات يسرّع شيخوخة الخلايا وتكون التأثيرات السلبية موازية تماماً لتلك الناجمة عن الجذور الحرة. من الناحية العملية، يطلق السكر في الخلايا تفاعلاً جزيئياً يعرف بتفاعل "مايار" Maillart، أي أن البروتينات تتأكسد بفعل تأثير السكر مثل اللحم المشوي فوق الفحم. تنشأ عندئذ آفات غير منظورة تصبح في النهاية جلية للعيان عند تأثيرها في قدرة تجدد الكولاجين في الأوتار أو البشرة. وقالت دراسة كندية حديثة إن خفض كمية السكر المستهلكة إلى النصف تقريباً كفيل بزيادة أمد العيش بنسبة 40 في المئة تقريباً. لا رابط محسوم مع داء السكري إن الاستهلاك المتواتر للمنتجات الغنية بالسكر لا يسبب بالضرورة داء السكري إلا عند 10 في المئة فقط من الأشخاص الذين يكشفون أصلاً عن استعداد وراثي لهذه المشكلة. لكن إذا كان الشخص يتمتع بصحة سليمة، يعمل السكر على زيادة مستوى السكر في الدم بصورة مؤقتة فقط، لأن الأنسولين يؤدي دوره لإعادة مستوى السكر في الدم إلى طبيعته. إلا أن الإدمان على تناول السكر يرتبط بزيادة الوزن التي تزيد من خطر التعرض لداء السكري بنسبة 30 في المئة، لأن الخلايا تستجيب بصورة أقل للأنسولين، مما يرهق البنكرياس المجبر على زيادة إفرازاته عشرة أضعاف. ضرر في القلب والشرايين إن تناول الفروكتوز بجرعات كبيرة مضرّ للصحة، وكذلك هو تناول الغلوكوز-فروكتوز الموجود بكثرة في كل الأطعمة الجاهزة والمعلّبة. فالفروكتوز يتحول إلى تريغليسريد، أي إلى دهون في الدم، على عكس الغلوكوز الذي يبقى على شكل سكر، وهو بالتالي أقل ضرراً. يكمن الخطر في تراكم دهون التريغليسريد التي تغلف القلب والشرايين وتسبب المشاكل. والمؤسف أن عضلة القلب لا تتضرر لوحدها، وإنما قد تنشأ أيضاً مقاومة للأنسولين. وتعتبر الأوردة والشرايين الأكثر تأثراً بهذه المشكلة لأن هذا يمنع الجسم من إنتاج البلاسمينوجين (plasminogène)، وهي مادة واقية قادرة على تذويب التخثرات في الدم. ويؤدي ذلك إلى رفع مستوى الدهون والسكريات في الدم.