توصف جمهورية الصين الشعبية بأنها أول بلد ذو حضارة عريقة في العالم اكتشف وأنتج الشاي قبل مليون سنة، حتى أنه أصبح على مر السنين من العادات والتقاليد العريقة في المجتمع الصيني، وجُعل مهراً للزواج في إحدى عصور الامبراطوريين الصينيين، فضلاً عن دوره في تكوين ظاهرة ثقافية خاصة للأسرة الصينية، من خلال المنافسة بينهم في انتاج الشاي بجودة عالية، وإتقان إعداده، وتذوقه، والتميّز في اختيار الإبريق المناسب له لتقديمه للضيف، واكرامه به. ويؤكد المؤرخون الصينيون، أن بلادهم تعدّ موطن نبات الشاي الأصلي، وأن كل أشجار الشاي الموجودة في مناطق وبلدان العالم الآخرى انتقلت من الصين، كما يشير بعض المؤرخين إلى أنه ما بين عامي ( 960 إلى 1279م)، توسع حجم انتاج الشاي في الصين واصبحت معالجته أكثر دقة واتقاناً، وشهد انتاجه بروز نوعين مهمين هما (أقراص شاي التنين، والعنقاء)، اللذين اعتبرا آنذاك من المنح الامبراطوريّة، وادخل شربهما إلى مراسم حفل الزواج لدى الأثرياء، وضمّ إلى مهر العروس. وتوجد "شجرة الشاي"، المتميزة بلونها المخضرّ على مدار السنة، في مناطق مختلفة من الصين، إلا أن موطنها الأصلي هو "جنوب غربي الصين"، ذات المناخ الطبيعي الدافيء والرطب، والتربة الحمضية الحمراء، لتواصل نموها الذي يقدر مابين 25 إلى 50 سنة، في حين يمكن لهذه الشجرة أن تصل في حالتها الطبيعية إلى ارتفاع بين 5 إلى 10 أمتار، ولكن المزارعين يقطفونها باستمرار، بقصد تقوية أغصانها، وزيادة أوراقها، ويتوقف وقت القطاف في السنة، لمدة تتراوح مابين خمسة أشهر إلى تسعة أشهر، حسب الظروف المناخية لمناطق زراعته، وهناك مناطق يزرع فيها ورق الشاي على مدار العام. ومرّ الشاي الصيني، بمراحل تطوير مختلفة، بدأت من مضغ الأوراق النضرة إلى سلقها في وعاء، ثم من مرحلة التبخير وتحويلها إلى أقراص فتحمصيها على النار، حتى انتهت مراحله إلى مرحلة الشاي العصري الموجود الآن، والذي تم تطويره منذ آلاف السنين، ويوجد منه انواع عدة، إلا أن أبرزها (الأخضر، الأحمر، التنين الأسمر، الأسود، الأبيض، الأصفر، المعطر، المكبوس)، بينما عدّ الشاي الأخضر، بأنه أكثر أنواع الشاي انتاجاً في الصين، واحتل المركز الأول في العالم من حيث أنواعه وألوانه، كما استحوذت تجارته على 70 في المئة من حجم السوق العالمية المتدوالة في هذا النوع، وعادت بذلك أرباح الشاي على الصين، بمئات الملايين من الدولارات كل عام. وفي ذات السياق، حثّت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة " الفاو"، البُلدان المُنتِجة للشاي الأخضر ومنها "الصين"، على زيادة دخلها من هذا المحصول، عبر تصعيد جهودها التسويقه والتعريف بفوائده الصحيّة، عوضاً عن التوسُّع في حجم مَزارع الشاي الأخضر، كي لا يُلحق أضراراً بأسعاره على المدى البعيد، موضحة أنّ سوق تصدير الشاي الأخضر ستنمو بسرعة أكبر على مدى السنوات العشر القادمة، مقارنةً بمعدل نمو الشاي الأسود، مستبعدة توسَّع الأسواق لدى بلدان الاستيراد الكبرى، أكثر مما هي الآن نظرا لتشبعها. ووفقاً لاحصائيات عالمية، فإن إنتاج الشاي في العالم، يبلغ أكثر من 3.15 مليون طن في السنة، تستهلك منه منطقة الشرق الأوسط نحو 70 ألف طن، في حين تؤكد الفاو أن زراعة الشاي ستحقق الأمن الغذائي في الدول المنتجة والعالم، مما يعني أن مستويات تصدير أصناف الشاي سيتضاعف في غضون السنوات المقبلة، خاصة بالنسبة للشاي الأخضر، الذي يعتبر قليل التكلفة في الانتاج، ومنخفض السعر مقارنة بأنواع الشاي الأخرى، علاوة على الاقتناع المتزايد من قبل معظم المستهلكين، بالفوائد الصحيّة له، خاصة للباحثين عن "القوام المثالي". ومن هنا، فإن الفاو، تؤكد في تقريرها الذي صدر مؤخراً بخصوص إنتاج وزراعة الشاي، أن مستهلكي الشاي لدى البلدان المنتجة لا يتجاوز استهلاكهم عشر كميّة الشاي كمعدل استهلاكي مُستمر، مقارنة بنظرائهم في أسواق الاستيراد التقليدية، وهو ما يشكِّل فرصة كبرى لمنتجي الشاي من أجل زيادة هامش الدخل، إذا ما انتهجت استراتيجيات تسويق فعالة، معربة عن توقعها بأن الصادرات العالمية من الشاي الأسود ستنمو بمعدل 1.8 في المئة من الآن إلى عام 2019، بينما ستنمو صادرات الشاي الأخضر بمعدل يبلغ 5.5 في المئة سنوياً. وبالنسبة للمجتمع الصيني، فإنهم يختلفون في تفضيلهم لأنواع الشاي، فعلى سبيل المثال سكان (بكين) يفضلون "الشاي العطر"، وسكان (شانغهاي) "الشاي الأخضر"، بينما يفضل سكان مقاطعة (فوجيان) في جنوب شرقي الصين "الشاي الأحمر"، وهناك من يفضل إضافة بعض التوابل الى الشاي ، "بغض النظر عن نوعه" عند شربه، ومع استخدام التقنية الحديثة في زراعة وإنتاج الشاي، خرجت العديد من الشركات المستثمرة في تجارة الشاي، بمئات الأنواع منه حالياً. وعُرف عنّد الصينيين أن إكرام الضيف بالشاي هو تقليد اجتماعي أصيل، وينطلق ذلك من المثل الشائع لديهم القائل " على المضيف أن يقدّم لضيفه ثلاث أكواب من الشاي بلطف وأدب"، ويعني الكوب الأول، التعبير عن الترحيب والاحترام بالضيف، والثاني، الحماسة في تجاذب الحديث، أما الثالث، فيتم فيه تخفيف مذاق الشاي، كيّ يدرك الضيف الوضع، ويستأذن مضيفه، للإنصراف. وتختلف الآداب المعنية بتقديم الشاي للضيف باختلاف مناطق الصين، ففي بكين، عندما يقدم المضيف الشاي لضيفه، يتعين على الضيف أن يقف فورا ويأخذ كوبا من الشاي بيديه، ويقول للمضيف "شكراً"، وفي مقاطعتي قوانغدونغ وقوانغشي بجنوب الصين، عندما يقدم الشاي للضيف، يتعين على الضيف أن يحني أصابع يده اليمنى، ويدقّ بها سطح الطاولة بخفة ثلاث مرات تعبيراً عن شكره للمضيف، أما في بعض المناطق الأخرى، فإنه إذا أراد الضيف أن يواصل شرب الشاي، يتعين عليه أن يُبقي بعضه في كوبه، وعندما يراه المضيّف، سيقوم بتزويده بالشاي.