كشفت الفعاليات الثقافية السعودية الدائرة حاليا في الصين الانسجام والتناغم الذي أظهره الصينيون، مع تلك الأنشطة. ففي الوقت الذي كانت فيه فنون (الليوه، والمزمار، والينبعاوي)، تصدح بأهازيجها وألوانها المختلفة داخل مبنى المركز الصيني، شارك الصينيون مؤدي هذه الفنون حركاتهم الراقصة مع كل لون، في تناغم فلكلوري لا يختلف عن تناغم الصينيات وهن يقفن أمام الأزياء النسائية التقليدية، يتأملن ملابس المرأة السعودية في الماضي والحاضر، منطلقات من كون العادات الصينية تهتم بثقافة الزي التقليدي، وتعتز بارتدائه في المناسبات والأعياد . بينما في الجناح الخاص بالنخلة السعودية والتمور، بحث المسلمون الصينيون، عن رشفة من ماء زمزم الطاهر، ليس لظمأً يروي بها عطشه بل لظمأ شوقه إلى مكةالمكرمة، حيث هلت دمعة مسنّ، حينما شرب منها، مردّداً معها الله أكبر والحمدلله. وبالطرف الآخر تجد صفوفا من الصينيين من مختلف الأعمار تنتظر دورها لتذوق التمر السعودي الفاخر، وشرب الشاي والقهوة التي تعبر عن الضيافة العربية الأصيلة، وهي نفس التقاليد المعروفة لدى المجتمع الصيني حيث يقدمون لضيوفهم الشاي، وأكلة (جياوتسي) الشهيرة، وعُرف عنّد الصينيين أن إكرام الضيف بالشاي هو تقليد اجتماعي أصيل، وينطلق ذلك من المثل الشائع لديهم القائل "على المضيف أن يقدّم لضيفه ثلاثة أكواب من الشاي بلطف وأدب"، ويعني الكوب الأول، التعبير عن الترحيب والاحترام بالضيف، والثاني، الحماسة في تجاذب الحديث، أما الثالث، فيتم فيه تخفيف مذاق الشاي، كيّ يدرك الضيف الوضع، ويستأذن مضيفه، للانصراف. وتختلف الآداب المعنية بتقديم الشاي للضيف باختلاف مناطق الصين، ففي بكين، عندما يقدم المضيف الشاي لضيفه، يتعين على الضيف أن يقف فورا ويأخذ كوبا من الشاي بيديه، ويقول للمضيف "شكراً"، وفي مقاطعتي قوانغدونغ وقوانغشي بجنوب الصين، عندما يقدم الشاي للضيف، يتعين على الضيف أن يحني أصابع يده اليمنى، ويدقّ بها سطح الطاولة بخفة ثلاث مرات تعبيراً عن شكره للمضيف، أما في بعض المناطق الأخرى، فإنه إذا أراد الضيف أن يواصل شرب الشاي، يتعين عليه أن يُبقي بعضه في كوبه، وعندما يراه المضيّف، سيقوم بتزويده بالشاي. وبالنسبة للمجتمع الصيني، فإنهم يختلفون في تفضيلهم لأنواع الشاي، فعلى سبيل المثال سكان (بكين) يفضلون "الشاي العطر"، وسكان (شانغهاي) "الشاي الأخضر"، بينما يفضل سكان مقاطعة (فوجيان) في جنوب شرقي الصين "الشاي الأحمر"، وهناك من يفضل إضافة بعض التوابل الى الشاي، "بغض النظر عن نوعه" عند شربه، ومع استخدام التقنية الحديثة في زراعة وإنتاج الشاي، خرجت العديد من الشركات المستثمرة في تجارة الشاي، بمئات الأنواع منه حالياً. توصف جمهورية الصين الشعبية بأنها أول بلد ذي حضارة عريقة في العالم اكتشف وأنتج الشاي قبل مليون سنة، حتى إنه أصبح على مر السنين من العادات والتقاليد العريقة في المجتمع الصيني، وجُعل مهراً للزواج في أحد عصور الامبراطوريين الصينيين، فضلاً عن دوره في تكوين ظاهرة ثقافية خاصة للأسرة الصينية، من خلال المنافسة بينهم في إنتاج الشاي بجودة عالية، وإتقان إعداده، وتذوقه، والتميّز في اختيار الإبريق المناسب له لتقديمه للضيف، واكرامه به. وأوضحت إحدى الزائرات للمعرض (لي تشو) وهي أستاذة اللغة العربية في أحد معاهد تعليم العربية في بكين، أن المملكة العربية السعودية، وجمهورية الصين الشعبية، بلدان عريقان، يتكئان على موروث ثقافي كبير، يميّزهما عن باقي الدول الأخرى، بحكم موقعهما الجغرافي والتاريخي، الذي كان ملاذاً لإقامة العديد من الحضارات والثقافات التي بدأت منذ العصور الغابرة حتى وقتنا الحاضر. وقالت لي تشو، في حديث لوكالة الأنباء السعودية أثناء تجوالها في أجنحة الفعاليات السعودية، إن هذه التعاقبات الحضارية للبلدين، صنعت للشعبين السعودي والصيني، موروثات تراثية مختلفة، تعاقبت على حفظها الأجيال، حتى وصلت إلى جيلنا الحالي، فأصبح لكل شعب بصمته الخاصة في التعبير عمّا يملك من ثروة فكرية وثقافية، في حين برز تقارب في بعض هذه الموروثات مثل: (الفن التشكيلي التقليدي، والرقصات الشعبية، والنحت، والأزياء).