عاش الناجون من جحيم العبارة "بيلا" لحظات عصيبة حيث شاهدوا الموت بأعينهم لحظة تلو الأخرى، في ساعات سادها الرعب وغمرت الدموع أعينهم ومنهم من نطق بالشهادة، والبعض الآخر احتضن أبناءه، وهو يبحث لهم عن وسيلة إنقاذ. وفور هبوطهم من العبارة آيله بميناء نويبع البحري لم يصدقوا أنهم عادوا إلي أرض الوطن سالمين. وبعد مرور دقائق معدودة انطلقت الصرخات والصيحات مطالبين شركة الجسر العربي بسرعة صرف التعويضات عن الأضرار التي لحقت بهم. هكذا تحدث الناجون من عبارة الموت ل"بوابة الأهرام". بداية التقينا منصور محمد حسن (42 عاماً) الذي وصل مصاباً في ساقه وساعده بإصابات طفيفة، وينتمي إلي مدينة السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، قال أنه يعمل بالأردن منذ 15 عاماً ضمن العمالة الموسمية(مبيض محارة)، وأضاف أنه فور إقلاع العبارة من ميناء العقبة الأردني، في السابعة من صباح أمس الأول، حيث كان متوجها لبلدته لقضاء إجازة عيد الأضحى المبارك برفقة أسرته المكونة من أربعة أفراد بعد غياب استمر عدة أشهر، سمعنا صوت جرس يشبه الإنذار ولم يخطر في بالنا أنه إنذار تحذيري لنشوب حريق بالمركب. وبعد حوالي ساعة عندما كنا في عرض البحر، ظهر دخان كثيف يتصاعد من أسفل العبارة إلى أعلاها وعلى الفور تعالت الصيحات وصراخ الركاب خصوصا النساء والأطفال، ونطقنا الشهادة أكثر من مرة، ولم نجد أمامنا إلا فك قوارب النجاة المثبتة علي جوانبي العبارة بأنفسنا والهبوط بها، في الوقت الذي اختفي فيه العاملون بالعبارة البالغ عددهم حوالي 5 أفراد، والذين كان شغلهم الشاغل هو بيع الشاي والقهوة لنا، ولم يكن بينهم فرد واحد مدرب علي الإنقاذ البحري على حد قوله. وتابع: فور هبوطنا إلي المياه فوجئنا بتدخل سريع من قبل مركز البحث والإنقاذ السريع التابع للقوات المسلحة من خلال طائرتين وقوارب سريعة وأطواق النجاة بالمشاركة مع القوات البحرية الأردنية، وتم إنقاذ أعداد كبيرة من الركاب كان بينهم أطفال، مشيراً إلي أنه فقد أمتعته وبعض الهدايا. قال عادل مسعد طلبة، من محافظة الشرقية (33 عاماً) ويعمل بالأردن أيضا: سافرت للعمل بحثاً عن عمل شريف يضمن لأسرتي حياة مستقرة، خاصة وأن أبنائي في مراحل عمرية صغيرة ويحتاجون إلي المال لاستقرار حياتهم المعيشية، لكن ضاع ما كنت أمتلكه من حطام الحياة وما ادخرته لتوفير حياة أسرية كريمة. ويستكمل الحديث قائلاً: شاهدنا الأدخنة الكثيفة السوداء اللون تخرج من مؤخرة العبارة مما جعلنا لا نستطيع التنفس أو حتي الرؤية بوضوح، وصرخنا بأعلى صوت علي طاقم الإنقاذ لإغاثتنا ولم يسمعنا أحد، وأخيراً قام طاقم الإنقاذ بالتحرك سريعاً بفك الزوارق المطاطية والخشبية وهبطنا في المياه ومن شدة الرعب استقل كل 100 راكب قاربا واحدا برغم الزحام الشديد في القوارب، هرباً من الحريق الذي كاد أن يلتهمنا ويفقدنا الوعي من ضيق التنفس، وساعدنا بعضنا البعض بالتجديف بأيدينا لنبتعد عن العبارة بأقصى سرعة ممكنة. وواصل: كانت صيحاتنا تتصاعد حتى تدخلت القوات البحرية الأردنية بقواربها، وصعدنا إلى إحدى العبارات الأردنية التي كانت تفتقر إلي أبسط أدوات الإسعافات الأولية، وقدموا لنا وجبة غذائية عبارة عن بسكويت وشربة ماء في الوقت الذي فقد بعض الركاب أطفالهم أثناء الهروب من جحيم العبارة المنكوبة (بيلا) لكن سرعان ما عدنا إلي ميناء العقبة الأردني وفي غضون دقائق وصل الأطفال إلي أسرهم. أما أحمد سالم محمد فرج (26 عاماً) من محافظة الشرقية: فيقول كنت أعمل بدولة الأردن في مصنع لإنتاج الطوب لعدة سنوات ذقت خلالها مرارة الغربة وتجرعت كاسات فراق الأسرة لجمع بعض المبالغ لتوفير الاحتياجات الضرورية لأسرتي وما يتبقي منها أقوم باستكمال إنشاءات منزلي لكن فقدت أحلامي علي متن العبارة المنكوبة، مشيراً إلي أن العبارة ظهرت عليها علامات القدم، وبعد أن أبحرت بحوالي ساعة ونصف الساعة كنت خلالها مستيقظاً فوجئت وجميع الركاب باندلاع النيران من أسفلها وصاحبها دخان كثيف حتي أن جميع الركاب حدث بينهم حالة من الذعر والهرج كما أنهم فقدوا السيطرة علي أعصابهم وتمادوا في البكاء. وفي السياق نفسه قال فادي محمد مصطفي (27 عاماً) وينتمي إلى محافظة الشرقية، ويعمل مقاول دهانات وديكورات في الأردن: عندما أبحرنا بالعبارة وأصبحنا في عرض البحر سمعنا ارتفاعاً شديداً في أصوات ماكينات التشغيل، واندلعت النيران وصعد إلينا طاقم العبارة وعددهم 5 أفراد لتهدئتنا لكننا شعرنا بأن العبارة تكاد تكون منتهية، وهو ما حدث بالفعل، وقمنا بإنزال قوارب النجاة المطاطية والخشبية التي أقل القارب الواحد نحو 70 راكبا للنجاة بأرواحنا في حين أن حمولة القارب الواحد تصل إلي 30 راكبا فقط، وبعد أن أصبحنا بالمياه فوجئنا بتسرب المياه من قاعها وأصبنا جميعاً بحالة من الذعر بعد أن تيقنا أن مصيرنا الموت المحقق، وظللنا خرج المياه من قاع القوارب بأيدينا حتي أن رأينا فرق الإنقاذ البحري التابعة للقوات المسلحة تقترب منا وقامت بانتشالنا، وتساءل أين لجان التفتيش البحري وهل لم نتعظ إلي الآن من كارثة العبارة السلام؟ يقول محمد فتح الله، من مدينة طنطا بمحافظة الغربية إنه فقد كل ما ادخره خلال عملة بالسعودية طيلة 10 سنوات بالإضافة إلي سيارة وهدايا عينية، وجاء شقيقه الأصغر لينتظره خارج الميناء صباح أمس الأول، وظن أنني قد فارقت الحياة حتى ترددت أنباء تدخل رجال القوات المسلحة وإنقاذ جميع الركاب ومن هنا عادت الفرحة إلي قلبه للقائي بعد طول غياب، وما عدت به من رحلة الغربة هو جلباب فقط حتى حذائي فقدته. ومن جانبه أكد الربان نبيل لطفي نائب مدير عام شركة الجسر العربي المالكة للعبارة بيلا المنكوبة أنه سيتم صرف جميع التعويضات للمتضررين في أسرع وقت ممكن وفقاً للقوانين والضوابط المنظمة في مثل هذه الحالات، حيث سيتم دراسة تعويض كل حالة علي حده وفقاً لقيمة مفقوداتهم. المصدر : اليوم السابع