القاضي محمد بن علي بن محمد الفواز برز في القضاء منذ أن كان ملازماً، فلم يُمض غير أشهر، حتى تم تعيينه قاضياً في طريف ثم قاضياً في ساجر ثم رئيساً لمحاكم الدوادمي وأخيراً قاضياً في تمييز مكةالمكرمة ثلاثون عاماً أمضاها في القضاء أكسبته خبرة وتجربة، جعلته خبيراً بالكثير من الجوانب القضائية المستعصية. وفي حديثه استفاض في توضيح خصائص أجهزة العدل والتقاضي في السعودية، والفروق بينها، ثم على بعض الظواهر التي اعتبرت مزمنة مثل تأخر القضايا، والخلل في جهاز التفتيش القضائي... في ما يأتي نص حوار معه: بداية، كيف بدأت حياتكم العلمية، وشققتم طريقكم نحو القضاء؟ - بما أنني من مواليد بلدة «اليمامة» في الخرج عام 1352ه، فإنني تلقيت تعليمي منذ الصغر فيها، منذ السابعة من العمر، وكانت المدرسة ذلك الوقت عبارة عن غرفة ملحقة بالمسجد، والمعلم يسمى المطوع، ودرست على عبدالعزيز بن عبدالرحمن المويزري وعبدالعزيز العبيدي حروف الهجاء رسماً ونطقاً وكتابة، ثم درست القرآن الكريم تلاوة، وكنت بجانب ذلك عوناً لوالدي في مهنة الزراعة. وبعد فتح المدارس بشكل رسمي عاودت التعليم الابتدائي لكن بالانتساب وأتممت المرحلة الابتدائية عام 1382ه، بعدها التحقت بالمعهد العلمي بالرياض ودرست المرحلتين (المتوسط والثانوي) وتخرجت في العام الدراسي 1386ه/1387ه ثم واصلت تعليمي الجامعي في كلية الشريعة بالرياض في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وتحصلت على شهادة الليسانس العام الجامعي 1390ه/1391ه، بعد ذلك تم تعييني ملازماً قضائياً، وتدرجت في أعمال القضاء، حتى وصلت إلى قاضي تمييز في مكةالمكرمة. وهل تذكرون شيئاً من القضايا تودون ذكره لا يزال عالقاً في الذاكرة؟ - أبرز القضايا التي لفتت نظري الحكم بالعرف في بادية سوريا عندما تقدمت امرأة بشكوى ضد أخيها في تركة والدتهما، البالغة 36 جملاً، اذ حكم للرجل ب25 جملاً ولم يقض للمرأة سوى جمل واحد، وبعد أن استقر بهم المقام في طريف أنست المرأة بالشرع الذي يعطي المرأة حقها، فتقدمت بدعوى ضد أخيها طالبة إنصافها من الحكم العرفي، فتم الحكم للطرفين (للذكر مثل حظ الأنثيين) وعند تنفيذ الحكم جاء من حكم لهم مؤكداً بأن العرف لا يعطي المرأة إلا هكذا، فذكرنا أن حكم الميراث لا بد أن يكون طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، فقبل الأخ ونفذ الحكم. من خلال تجربتكم الطويلة، ما سبب تأخر القضايا وتكدسها؟ - الكثير من القضايا التي تطول بسبب مماطلة أحد الأطراف في القضية، وأكثر ما يكون من المدعى عليه، فإذا حكم عليه غيابياً بعد استكمال الإجراءات، بدأ يتظلم إلى أن تعاد القضية، ثم يبدأ بالتسويف والمماطلة، ما يتطلب معه وضع دراسة وآلية تحد من هذه المشكلة التي تعوق سير العدالة. ثم لا ننسى ضعف الرقابة على دوام القضاة وتأخرهم في الحضور وتعجلهم في الانصراف، ما يفضي إلى زيادة المعاناة من تراكم القضايا وتأخر البت فيها، وللأسف عدم تفعيل دور التفتيش القضائي وكذلك ضعف الإشراف المباشر من رئيس المحكمة، ولا سلطان على القضاء في الأحكام وليس في الانضباط، بل بالعكس لا بد أن يكونوا قدوة لغيرهم ومثالاً يحتذى بهم. فالنقص من أنفسنا وليس من قلة عددنا، فلو اكتملت العناصر لم يكن هناك أي تأخر أو معاناة تذكر، نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ويردهم إلى الحق والصواب. العدل هو أساس قيام الأمة، وركن ثابت من أركان دعائم أي دولة، فبحكم خبرتك وتجربتك هل بدأ العدل بهذا المفهوم يقام محلياً؟ - نعم، العدل هو أساس قيام الأمة لما ينبني عليه من منع الظلم والجور وإظهار الحق وإيصاله إلى مستحقه، والعدل دعامة قوية من دعائم الأمن والاستقرار، فبه تسعد الأمم وتقوم الحضارات على أساس راسخ قويم، ومن هذا المنطلق عنيت المملكة العربية السعودية بإقامة هذا الكيان الذي يعني بتحقيق هذا المقصد السامي المرتبط بحفظ جناب الحق ورعايته وجعلت إقامة العدل ركناً ثابتاً من أركان دعائم هذه الدولة منذ قيامها، وتعاقب على ذلك كل ولاة أمرها دعماً لمرافق القضاء وأجهزته حتى حظيت بتمام الرعاية والدعم في كل المناشط التابعة لهذا الكيان العظيم المرتبط بالعدل ووزارته، ومن هنا كانت البداية وانطلاقة المسيرة ونشأة وزارة العدل التي تتولى الإشراف الإداري والمالي على المحاكم والدوائر القضائية الأخرى وتتخذ التدابير وتتقدم إلى الجهات المختصة بما تراه من الرؤى أو المشاريع التي من شأنها ضمان المستوى اللائق بمرفق العدالة، كما تقوم بدرس ما يرد إليها من المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا من مقترحات أو قرارات، وترفع بما يستدعي أوامر ملكية إلى مجلس الوزراء. ما نظرتكم للتشكيل المرحلي العام لدرجات القضاء؟ - التنظيم القضائي في المملكة مر بأطوار تأسيسية بدأت منذ قيام الدولة، واستقر هذا التنظيم بصدور نظام القضاء الذي جاء هذا النظام مرتباً المحاكم الشرعية وناصاً على مسمياتها: المجلس الأعلى للقضاء، والمحكمة العليا ومحاكم الاستئناف والمحاكم العامة والمتخصصة والمحاكم الجزئية ومحاكم الضمان والأنكحة ومحكمة الإحداث ومحكمة دار رعاية الفتيات والدوائر الشرعية المساندة (كتابات العدل الأولى والثانية وبيوت المال). بعد التنظيم الجديد، هل من إيضاح مبسط لمجال اختصاص المجلس الأعلى للقضاء؟ - يتكون المجلس الأعلى للقضاء من أعضاء الهيئة الدائمة وخمسة أعضاء غير متفرغين هم رئيس محكمة الاستئناف أو نائبه ووكيل وزارة العدل وثلاثة من أقدم رؤساء المحاكم العامة في المدن الآتية: مكةالمكرمة، المدينةالمنورة، الرياض، جدة، الدمام، جازان. ويترأس هذه الهيئة رئيس المجلس الأعلى للقضاء. ويشرف مجلس القضاء الأعلى على المحاكم في الحدود المبينة في نظام القضاء ويتولى إضافة إلى ذلك النظر في المسائل الشرعية التي يرى وزير العدل ضرورة تقرير مبادئ عامة شرعية فيها. والنظر في المسائل التي يرى ولي الأمر ضرورة النظر فيها من المجلس. وإبداء الرأي في المسائل المتعلقة بالقضاء بناء على طلب وزير العدل ومراجعة الأحكام الصادرة بالقتل أو القطع أو الرجم. وينعقد بهيئته الدائمة المكونة من الأعضاء المتفرغين برئاسة رئيسها أو من ينوب عنه من أقدم أعضائها في السلك، وذلك للنظر في المسائل والأحكام المنصوص عليها إلا ما قرر وزير العدل أن ينظر فيه المجلس بهيئته العامة، وينعقد المجلس بهيئته العامة المكوّنة من جميع أعضائه برئاسة رئيس المجلس الأعلى للقضاء للنظر في ما عدا ذلك من المسائل، ويكون انعقاد المجلس بهيئته الدائمة صحيحاً بحضور أغلبية أعضائه إلا عند مراجعته للأحكام الصادرة بالقتل أو الرجم، فينعقد بحضور جميع الأعضاء، وفي حال غياب أحدهم يحل محله من يرشحه وزير العدل من أعضاء المجلس غير المتفرغين. أما انعقاده بهيئته العامة فلا يكون صحيحاً إلا بحضور جميع الأعضاء، وفي حال غياب أحدهم أو نظر المجلس مسألة تتعلق به أو له مصلحة مباشرة يحل محله من يرشحه وزير العدل من أعضاء محكمة الاستئناف، وتصدر قرارات المجلس في حالتي انعقاده بهيئته بالأغلبية المطلقة. هذا ما أعلمه عن مهام المجلس. كثيرون لا يعرفون الفرق بين المحاكم العامة والجزئية، فكيف تلخصه للقارئ؟ - المحكمة الجزئية تتألف من قاض أو أكثر ويكون تأليفها وتعيين مقرها وتحديد اختصاصها بقرار من وزير العدل بناء على اقتراح المجلس الأعلى للقضاء، وتصدر الأحكام من قاض فرد كما هي الحال في المحكمة العامة، والمحاكم الجزائية هي نوع من الاستثناء لاختصاص نوعي من القضايا يخرج من الاختصاص الأصلي للمحاكم العامة ويختلف تحديد هذا الاختصاص بحسب حاجة العمل وما يصدر من أنظمة وتعليمات بهذا الخصوص وتنشأ من المحاكم المستعجلة، ومحكمة الضمان والأنكحة، ومحكمة الأحداث، ومحكمة دار رعاية الفتيات. حدثنا عن المحاكم المستعجلة؟ ولماذا لا توجد إلا في بعض المناطق؟ - المحاكم المستعجلة توجد في غالب مدن المملكة الكبرى وتختص بالنظر في قضايا الجنح والتعزيرات والحدود التي لا قطع فيها، مثل حد القذف والخمر وزنا البكر وفق احكام الشريعة الغراء وفي كل ما خولت لها الأوامر والتعليمات النظر فيه الموضوعة لها والمنصوص عليها في مواضعها مما هو خارج عن اختصاص المحاكم العامة. كما تختص بالنظر في جميع الدعاوى المالية التي لا تزيد على عشرين ألف ريال ولم يكن سبب استحقاقها متعلقاً بالأمور الزوجية والنفقات والعقار. وكذلك تختص بالنظر في اروش الجنايات التي لا تزيد على ثلث الدية وفي إثبات الإدانة بالحق العام في حوادث السير إذا كانت نسبة الخطأ متوافقة مع الحق الخاص بان تكون أقل من ثلث الدية. توجد محكمتان للضمان والأنكحة في الرياضوجدة، أليستا جزئيتين؟ ولماذا تم تخصيصهما من دون غيرهما؟ - هاتان المحكمتان تختصان بالنظر في إثبات المستحقين للضمان الاجتماعي وما يُتطلب لذلك، وإجراء عقود الأنكحة وإثباتها، وإثبات الطلاق والخلع. وتم إيجادهما لتخفيف العبء على الجزئية، نظراً لكثرة الحاجة في المدينتين. نسمع بمحكمة الأحداث، فماذا عن دورها وسير التقاضي فيها؟ - محكمة الأحداث تنظر القضايا المحالة لدور الملاحظة الاجتماعية الموجودة في المدن الكبرى بالمملكة كالرياضوجدة ونحوهما، ويتولى العمل بها أحد القضاة، وإذا لم توجد دار ملاحظة في أحد البلدان، فإن قضايا الأحداث تنظر من جانب قضاة المحاكم. وتختص هذه المحاكم بالنظر في قضايا صغار السن ممن أتم السابعة من عمره ولم يبلغ الثامنة عشرة، وذلك في قضايا الجنح والتعزيرات والحدود الشرعية التي ليس فيها قتل ولا رجم ولا قطع، وتتم محاكمة الحدث وفق إجراءات منصوص عليها. ويكون نظر قضايا الأحداث في دار الملاحظة وذلك بندب احد القضاة للنظر في هذه القضايا داخل دار الملاحظة، عناية بالحدث ومراعاة لحاله، ويتم النظر من قاضي الأحداث للقضايا التي ليس فيها إتلاف من الجنايات، أما قضايا القتل أو الرجم أو القطع، فإن قاضي الأحداث لا ينظرها بمفرده بل يتم نظرها في المحكمة العامة من جانب ثلاثة قضاة بحسب المتبع. وأشير إلى أن المعتبر في تحديد سن الحدث هو وقت ارتكاب الجريمة لا وقت المحاكمة، ويتم إيجاد التشكيل الإداري المناسب لحاجات نظر قاضي الأحداث من الكتاب والأعوان. هل هناك فرق بين محكمة الأحداث ومحكمة دار رعاية الفتيات؟ - محكمة دار رعاية الفتيات محكمة تنظر القضايا المحالة لدور رعاية الفتيات الموجودة في المدن الكبرى بالمملكة كالرياضومكةالمكرمة ونحوهما. ويتولى العمل بها أحد القضاة العاملين في المحاكم الشرعية، وإذا لم توجد دار رعاية فتيات فإن قضاياهن تنظر من جانب قضاة المحاكم، وأحكام هذه المحكمة ومهامها مماثلة لأحكام ومهام محاكم الأحداث، إلا أن دار رعاية الفتيات لا تتقيد بالسن التي حددت في دور الملاحظة الاجتماعية، فينظر في قضايا الفتيات إلى سن 30 سنة.