بسم اله الرحمن الرحيم الحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين ..أما بعد .. انطلاقة : كنا قد تعرضنا في المقال السابق لبعض تحرشات الرجال بوضع المرأة السعودية ، وسلطنا الضوء على بعض منها وقد وعدناكم أن نعرض بشكل مختصر لشيء من التاريخ المأساوي الذي تعرضت له المرأة العربية المسلمة في هذه الوطن العربي ونقاط التشابه بينها وبين ما يجري عندنا في مجتمعنا ، وفي ساحتنا السعودية بالتحديد ، وأصوات الرجال المتعالية المزعجة التي تنادي زعما بحقوق المرأة . فنقول بعد الاستعانة بالله تعالى : أولا : الخطة والمكيدة : أ- افتعال القضية : والقضية المفتعلة هنا أن للمرأة قضية تحتاج إلى نقاش وهي أنها مسلوبة الحقوق وتستدعي الانتصار لها مع بعض العبارات الطنانة التي تشعر سامعيها ببشاعة القضية ، والحاجة الماسة لطرحها ( فهي المظلومة ، والشق المعطل ، والرئة المهملة ، المحرومة ، المسجونة ، المكبوتة ، وغيرها كثير . ب- تشويه الصورة التي عاشت عليها المرأة السعودية خلال الأزمنة السابقة ، وأنها عاشت في عصر الظلام والجهل والسيطرة عليها ، فلا بد من رفع ذلك عنها ، ت- إهمال الصورة التي رسمها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عن المرأة وكيف حفظ لها حقوقها ومكانتها وواجباتها والأوامر التي نزلت تخصها من الحشمة والحجاب والبعد عن مواطن الرجال والحديث معهم بغير لين ومن وراء حجاب ، وإهمال ومكانتها بالنسبة للرجل ، والتهوين من أنها فتنة للرجال ، وإسقاط المحرم ، وحق الرجل عليها ، ومهمتها في بيتها .كل ذلك يهمل بحجة أنها أمور خلافية ويسوغ فيها الاجتهاد أو أنها لم تعد تواكب الحياة اليومية الصاخبة والتي لا تجعل للمرء أن يفكر في كل ذلك مقابل ما هو أهم منها . ث- إضعاف مناعة المجتمع في الغيرة والحمية وخفض نسبة الغيرة على المحارم من خلال المسلسلات الهابطة واللقطات الآثمة واستمراء مشاهدتها ، والصور المنتشرة في الصحف والمجلات لنساء متبرجات ، واللقاءات النسائية المختلطة بالرجال في مؤتمرات وحفلات وأمسيات ودراسة وعمل . ج- المطالبة بالمساواة المطلقة مع الرجل وإن كانوا يقرون الاختلاف ويمارسونه في بعض الأشياء إلا أنهم ينفون بالجملة الفارق بين جنس الرجل والمرأة ، ومثل هذا المطلب كفيل أن يفسد الحياة الاجتماعية التي كانت وما تزال رمز من رموز التماسك الاجتماعي والأسري في مجتمعنا ، ومنهج الإسلام أن يحتفظ الرجل برجولته وقوامته ومن أجل هذا حرم عليه الذهب ، وأن تبقى المرأة محتفظة على أنوثتها من أجل ذلك حرم عليها التبذل مع الرجال وغشيان مجتمعاتهم ونهاها عن كشف وجهها ، وأمرها أن تحافظ على رقتها وحيائها بعيدة عن الجرأة وقلة الحياء . قال تعالى ( وليس الذكر كالأنثى ) ح- تصوير البيت ومهمة الأمومة والحضانة بصورة مقززة ، إذ البيت سجنها المؤبد ، والزوج سجان قاهر ، والأمومة تكاثر رعوي وهرم وشيخوخة ، والحمل والرضاعة فساد لقوامة الجسم ..، والله تعالى يقول : ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) إذا ليس هناك شيء يستطيع تحقيق ذات الأنثى أكثر من بيتها وحبها لأطفالها ورعاية زوجها ، وحفظ حياءها ، تقول صوفيا لورين الممثلة الشهيرة ( إن حبي لأطفالي هو أفضل وسيلة لمقاومة تجاعيد السن وأسعد لحظات الأنثى عندما ترزق بمولود ) . خ- المغالطة بأن السفور والتبرج ليس داعيا للفجور إذ النفس الطاهرة والعفيفة لا يحركها أي داعي فتنة ، والفاسد فاسد ، والحجاب ليس دليلا على نظافة السلوك . والله تعالى يقول ( وإذا سألتموهن متاعا فأسلوهن من وراء حجاب ) وعن أبي أسيد مالك بن ربيعة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق : استأخرن فليس لكن أن تحققن الطريق ( أي تتوسطن فيه ) عليكن بحافات الطريق ، فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصقها به ) رواه أبو داود وابن حبان . د- التدرج في المطالبات وتكسير الموجة واحدة واحدة ، فخشية الانكشاف والافتضاح ولأجل أن لا يصدموا بالمواجهة يأتي التدرج في التغيير ، من المطالبة بالقيادة ، والعمل المختلط ، وكشف الوجه وخلع العباءة إذ العمل والقيادة تحتاج لذلك والحجاب عائق ومشغل ، والمطالبة بالترفيه الموسع بين الجنسين ، وتصديرهن المناصب ، والاحتفاء بأعمالهن ولو كانت هزلية والتلميع والثناء خدعوها بقولهم حسناء ..والغواني يغرهن الثناء ه- إخراجها من مجتمعها المحافظ لتنخرط في مجتمعات منفتحة سواء كانت في الداخل أو الخارج ولو تطلب الأمر استئجار نساء يحملن نفس التوجهات لبقات في العبارة ، ذات فصاحة وبيان مثقفات ، لتعيش تلك المغرورة بين الأحضان الخداعة تنهش من حياءها وعفتها شيئا فشيئا حتى تستسلم للواقع وترضى به . ........... العمل الرجولي والتدخل في قضية المرأة : لو نظرنا إلى كل رواد الدعوات الحقوقية للمرأة من الرجال تجدهم قد تربوا في ديار الغرب لسنوات وانخرطوا بالحياة الاجتماعية فستمالة قلوبهم الضعيفة ، مع التشجيعات الكيدية ، الضمانات الوقائية والدعم الامحدود ، وعلى رأس هؤلاء: 1- رفاعة الطهطاوي أحد تلاميذ حسن العطار أحد ضحايا محمد علي باشا بائع الدخان الذي تولى السلطة في مصر بعد مذبحة 1811م ، زُرع بعد الاستعمار الفرنسي وهو أحد بذور حملات نابليون الآثمة على أرض مصر العظيمة . وهذا التلميذ رفاعة الطهطاوي الذي ذهب مع البعثات الطلابية إلى باريس من : 1826م – 1831م مرشدا وواعظا وإمام للصلاة ، خمس سنوات كانت كفيلة أن تغير المفاهيم الأساسية والخطوط العريضة لرفاعة حتى عاد ليقول ( أن السفور والاختلاط ليس داعيا إلى الفساد )ويبرر لدعوته ذلك بالاقتداء بالفرنسيين حتى في إنشاء المسارح والمراقص وضمن ذلك كتابه ( تلخيص الإبريز في تلخيص باريز ) كانت له جهود علمية لا تنكر في تطوير العلوم ولكن كانت له البداية القاصمة . 2- قاسم أمين والذي هو الأخر أحد ضحايا الإبتعاث إلى فرنسا التي ذهب إليها ليتعلم ولكنه عاد ليقول : ( أن أكبر الأسباب في انحطاط الأمة المصرية تأخرها في لفنون الجميلة ، والتمثيل والتصوير والموسيقى ) مؤلف كتاب تحرير المرأة نشر في عام 1899م والمرأة الجديدة بدعم من محمد عبده وسعد زغلول واحمد لطفي وجاء هذا الكتاب بعدما قدم اعتذاره للأميرة (نازلي فاضل) حفيدة ابراهيم باشا بعدما قرأت رد قاسم أمين على الدوق (داركور) ولمزه للمصريات المتفرنجات علمت أنه لا يعني غيرها! لأنها كانت الوحيدة من نساء مصر التي تختلط بالرجال وتجالسهم في صالونها الذي افتتحته آنذاك ليكون مركزاً تبث منه الدعوة إلى التغريب عامة وإلى "تحرير المرأة" خاصة فغضبت منه أشد الغضب، وتهددت وتوعدت. فلما جلس إليها ورأى ذكائها أعجب بها فكانت نقله نوعية أعتبرت اللبنة الأولى في بناء أفكاره القادمه فبعد أن كان يدافع عن الحجاب أصبح يقول : (إن إلزام النساء بالحجاب هو أقسى وأفضع أشكال الاستعباد) ويقول (الحجاب عادة لا يليق استعمالها في عصرنا) 3- سعد زغلول أحد الذين لمعوا وأطلقت عليه الألقاب العظيمة كقائد الثورة وانه البطل العظيم ، وأول مرحلة للسفور كانت عندما دعا سعد زغلول النساء اللواتي يحضرن خطبه أن يزحن النقاب عن وجوههن. وهو الذي نزع الحجاب عن وجه نور الهدى محمد سلطان التي اشتهرت باسم: هدى شعراوي مكونة الاتحاد النسائي المصري وذلك عند استقباله في الإسكندرية بعد عودته من المنفى. واتبعتها النساء فنزعن الحجاب بعد ذلك. وزوجته هذه والتي تسمي نفسها أم المصريين هي صفية ابنة مصطفى فهمي رئيس الوزراء التركي الأصل الخانع للاحتلال الانكليزي كانت تخرج معه في المحافل والصور سافرت عن وجهها وكان يطلق عليها صفية زغلول مثقفة ثقافة فرنسية كما يقوله عنها سكرتير سعد زغلول . بعد هذا الصخب الرجولي تمكنت لهم الأرض التي تتشعب بعدها الأفكار وهي إيجاد نماذج نسائية تتحدث عنهم بلغتهم ولغة أسيادهم . وكان على رأس هؤلاء النسوة : 4- هدى شعراوي واسمها نور الهدى بنت محمد سلطان باشا وأبوها محمد سلطان باشا الذي كان يرافق جيش الاحتلال الإنكليزي في زحفه على العاصمة والذي كان يدعو الأمة إلى استقباله وعدم مقامته ، كانت نور الهدى تعتز بأنها تلميذه لزوجة حسين رشدي الفرنسية ، وأصبحت تشجع الفتيات على السفر إلى أوربا وهي التي تقول في خطبتها التي ألقتها بمناسبة الاحتفال بالعيد العشرين للاتحاد النسائي ( ومنذ ذلك اليوم قطعنا على أنفسنا عهدا أن نحذو حذو أخواتنا الغربيات في النهوض بجنسنا مهما كلفنا ذلك ) . 5- المرأة الغامضة ( درية شفيق ) المؤسسة لحزب بنت النيل والتي كانت تستقبل في بريطانيا أعظم من استقبال رؤساء الدول ، وهي القائلة : إن الأهداف المباشرة لحزب بنت النيل منح المرأة حق الاقتراع ، وحق دخول البرلمان ، وإلغاء تعدد الزوجات ، وإدخال قوانين الطلاق الأوربية في مصر . 6- نوال السعداوي طبيبة وكاتبة ومفكرة وناشطة في مجال حقوق الإنسان ، تعرضت نوال السعداوي للسجن في 6 سبتمبر 1981م، في فترة "الرئيس السادات"، كما تعرضت للنفي نتيجة لأرائها ومؤلفاتها، كما تم رفع قضايا ضدها من قبل إسلاميين مثل قضية الحسبة للتفريق بينها وبين زوجها، وتم توجيه تهمة "إزدراء الأديان" لها، كما وضع اسمها على ماوصفت ب"قائمة الموت للجماعات الإسلامية المتطرفة" حيث هددت بالموت. كما رفضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في مصر في 12 مايو 2008 م. إسقاط الجنسية المصرية عن المفكرة المصرية نوال السعداوي، في دعوي رفعها ضدها أحد المحامين بسبب آرائها المدافعة عن حقوق المرأة. أسست جمعية تضامن المرأة العربية العام 1982 وهي جمعية تهتم بشؤون المرأة في العالم العربي تعتبر نوال السعداوي أن الحجاب عادة جاهلية، وأن بعض الطقوس المستخدمة في الحج "من بقايا الوثنية". وكذلك رأيها المشين في تعدد الزوجات وفكرة الزواج العرفي ....وغيرها مما لا يستوعبه العقل السليم الذي تربى المنهج الإسلامي ، ولا غرابة فكل من كان ينطلق من منطلقات عقلية بعيده عن التشريعات السماوية فلا عجب أن تصل به الحال إلى مثل هذا وأسوء . وهذا ما قادني لأقول أن جل من يكتب عن حقوق المرأة المفتعلة ليسوا من أهل التخصصات الشرعية أو أنه مجهول الهوية والتوجه .لأن أهل الشرعية منطلقاتهم ربانيه ...مستقاة من القرآن والسنة . وإلى اللقاء المقالة السابقة هنا ريم الخالد