و لي وطنٌ أليت ألا أبيعه = و ألا أرى غيري له الدهر مالكا فقد ألفته النفس حتى كأنه = لها جسدٌ إن بان غودرتُ هالكا مؤلمٌ جداً فراق الوطن قسراً و أشد ألماً أن تراه بعينك وتحول الحواجز دون مسه بكيانك , و كأنما أنت سامريٌ يقول لا مساس !!! و صوتُ الإعلامي الأشهر ماجد الشبل يجوس في حنايا الذاكرة و هو يلقي في مسامعها أبيات الجبرتي فيبعث في القلب رسيس هوىً لا يزول و لا يحول : العين بعد فراقها الوطنا = لا ساكناً ألفت ولا سكنا ريانة بالدمع أقلقها = ألا تحس كرى ولا وسنا كانت ترى في كل سانحة = حُسناً وباتت لا ترى حسنا ما كنت إلا روضة أنفاً = كرمت وطابت مغرساً وجنى إن الغريب معذب أبداً= حلَّ لم ينعم وإن ظعنا تلك هي المسألة في نظرنا , و لا شيء أخر مما يروج له كاتبٌ يكتبُ عن الوطن في صحيفة سيارةٍ يزعم أنه يعرف وطننا أكثر منا ويعيب علينا الحديث بعاطفة ٍعن أوطاننا ؟؟!!! و لست أدري ما الذي ذكرني بمأساة السفر برلك حين شاهدت حلقة النازحين من محافظة الحرث في برنامج يا هلا . ربما لأن الحرب و التهجير قسراً كافيان جداً لاستحضار ما جرى لأهالي المدينةالمنورة منذ عام 1334ه و حتى 1337 ه و ربطه بما جرى لأهالي الخوبة , حيث قام فخري باشا و هو الحاكم العسكري للمدينة المنورة من قبل الأتراك بما يسمى بالسفر برلك و هو التهجير الجماعي لكل سكان المدينة طوعيا أول الأمر ثم جبرياً من أجل أن يمنع الشريف حسين من دخولها أبان الحرب العالمية الأولى . إذ يذكر بعض المؤخرين أحاديث و قصص مروعة من أفظعها أن المسجد النبوي صار ثكنة عسكريةً و مخزناً للسلاح ومناراته أبراجاً للمراقبة . كما أن المدينة أفرغت من أهلهاإلا القليل حيث هُجرت أسرٌ و بيوتاتٌ بأكملها للأردن و سوريا و تركيا , و كل ذلك لأن فخري باشا أبى أن يُسلم رُغم الحصار بل و رغم الفرمانات العثمانية التي طالبته بالاستسلام . و اليوم مع تسليمنا بالمفارقة بين الحالين إلا إن الهجرة الجماعية فيهما أمراً يدعو للتأمل . و لست أريد الخوض في مسائل أمنية أو استراتيجية لا علم لي ببواطنها ألبته , و لكنني لا أستطيع أن أقبل قلباً أسكنه غير وطني ولا أخالني أهنأ بالعيش سالياً عنه فأنا على مذهب ابن هتيمل : فلكم حاولت قلبي جاهداً = يتسلى عن هواكم فأبى هائم القلب كئيبٌ دنفٌلم =يرى السلوان عنكم مذهبا و إني لأرجو لكل نازح أن يقول قريباً قولةَ شوقي : و يا وطني لقيتك بعد يأسٍ = كأني قد لقيت بك الشبابا 1