من قلْب مدينة النور، المدينة المنيرة المنورة، حيث المحضن الأول للقاء القلوب المؤمنة، تتجدّد معاني اللقاء الثقافي تحت عنوان «مهرجان الثقافات والشعوب 2025»، والذي تنظمه الجامعة الإسلامية. هذا العنوان بما يملكه من زخم دلالي، وما يحمله مِنْ رمزية عظيمة، إذ يتجاوز كونه فعاليات متنوعة ليصبح حالة من التجلّي الحضاري المُشعّ الذي تتصافح فيه الشعوب بثقافاتها المتنوعة، وخزينها المعرفي والثقافي، وعاداتها المختلفة، كما تُصاغ من خلال هذا الالتقاء صور التفاهم والاحترام المتبادل، والتلاقح الفكري والمعرفي في أبهى صوره وأجمل ملامحه. وفي ظلّ تعدد نُسخ هذا المهرجان الباذخ بمعانيه ودلالاته المتجددة، يصبح هذا المحفل الثقافي علامة فارقة في المشهد الثقافي، لا الجامعي فقط، وإنما يمتد أثره وصداه ليتحوّل المهرجان إلى خارطة عالمية مصغّرة تفيض بأشكال التثاقف، وتبادل المعرفة، وترسّخ قيمة التنوّع للعادات والتقاليد الإسلامية الأصيلة، التي تُشكّل ذاكرة الشعوب وهوياتها العميقة، كما أنها تؤصّل لقيمة التنوّع، وإعلاء روح الحوار، والتواصل، وتقبّل الآخر، فضلاً عن الثراء الذي يعزز المشترك الإنساني. مثل هذه الصور الحضارية التي تُشعّ أنوارها من المملكة، بما تحمله بلادنا من رمزية عظيمة في وجدان الشعوب، كونها قبلتهم الروحية ومهوى أفئدتهم، تأتي مثل هذه المهرجانات والملتقيات الفكرية لتجسّد دور المملكة الريادي كمنطلق للتسامح والتعارف وإشاعة الحوار وروح التسامح وتقبّل الآخر والتفاعل معه بما يخدم الإنسانية جمعاء بعيداً عن أي تحيّزات عرقية أو غيرها، وبذلك تحقق التوجيه الربّاني الكريم: (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا..). وبذا فبلادنا -وبتوجيه ومتابعة من قيادتها- دوماً تحرص على تعزيز هكذا مهرجانات وملتقيات هدفها تحقيق التواصل الحضاري المثمر بينها وبين كل الشعوب، وكل ما من شأنه ترسيخ السلام العالمي. ولعل ما يعطي دلالة على أهمية مثل هذا المهرجان احتضانه لندوة فكرية عميقة بعنوان «وعي الفكر»، وكما يفصح عنه العنوان فهو في أحد أشكاله المتبصّرة إرساء لدعائم العقل المستنير الذي يؤسس لخطاب وسطي معتدل ينبذ العنف والغلو والإقصاء الذي دأب عليه الفكر الدوغمائي المتطرف. بفخر واعتزاز يعطي هذا المهرجان رسالة للعالم بأننا كشعوب رغم تعدد ألسنتنا وتباين ثقافاتنا يجمعنا التسامح، ويظللنا الحلم، تحت عنوان عريض وشاسع الهدف: تسامح وتقارب لا افتراق. وتبقى المملكة بتفرّدها قِبلة الإنسانية والاحتفاء بالإنسان في كل الأصقاع.