شهد النادي الأدبي الثقافي في جدة مساء أمس أجواءً متوترة كادت تعصف بالمحاضرة، التي نظمها النادي، وبدأت متأخرة عن موعدها بأربعين دقيقة، وكانت مليئة بالاحتجاجات والاعتراضات التي كادت تتطور إلى أحداث لا تحمد عقباها. وبدأ «الصراع» بدخول مشايخ وطلاب علم إلى قاعة النادي الأدبي ليفاجأوا بوجود عدد من النساء في الركن المخصص لهم في القاعة، ما جعل أحد المشايخ يعلن احتجاجه على وجود النساء، مطالباً إياهن بالخروج من قاعة «الرجال»، وإلا فإنه سينسحب ومعه تلامذته الذين احتلوا الصفوف الأمامية من القاعة. وبعد مباحثات طويلة فيما بينهم، بادر المحاضر الدكتور محمد السعيدي بالذهاب إلى النساء طالباً منهن مغادرة القاعة لكنهن رفضن بشدة، وطلبن منه مخاطبة إدارة النادي، ليقرر المشايخ، الذين كان بينهم الدكتور فوزي الصبحي ورئيس فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جدة سابقاً عطية الزهراني، وطلبة العلم المرافقين لهما، مغادرة النادي، معلنين غضبهم على إدارة النادي تجاه موقفهم من هذا «المنظر»، الذي أوضحوا أنهم لن يسمحوا بوجوده في المجتمع السعودي. وبدأ الدكتور محمد السعيدي متردداً بعد ذلك في المشاركة في الأمسية، التي كان من المقرر أن يشاركه فيها الدكتور محمد آل زلفة، لكنه اعتلى المنبر بعد هذه المشاهد ليتحدث عن «النخب السعودية وقضايا التغريب»، وليعلن في أولى كلماته أن ساحتنا الفكرية ستكون مليئة بالاحتقان ما لم تتخلص من مشاهد «الاصطفاف غير المحمود». وطغت هذه الاحتجاجات على مناقشات المثقفين في أروقة النادي. وقال ل«الشرق» عضو الجمعية العمومية للنادي، عمرو العامري، إن ما حدث الليلة (البارحة) «أعادنا إلى أزمة صراع الثمانينيات»، حيث الصراع الحاد بين الأطياف الفكرية وصل إلى حد الاقصاء. وأوضح أن الحضور كان مريباً منذ البدء، حيث حضر عشرات ممن يتسمون بسمات طلبة العلم، واحتلوا المقاعد الأمامية، بحضور أحد المشايخ، الذي أصر على إخراج النساء من القاعة، أو أن يغادرها هو، مشيراً إلى أنه تم بذل جهد كبير لإفشال المحاضرة، إلا أن حكمة رئيس النادي، وشجاعة النساء الحاضرات أجبرتهم على الانسحاب، على حد قوله. وأشار العامري إلى أن أمسية البارحة أكدت فشل كل دعوات الحوار، وأننا لم نتقدم كثيراً في هذا المجال. ووصف الشاعر عبدالعزيز الشريف ما حدث ب«الهجمة الشرسة»، من بعض مَنْ «يرون ما لا يراه العالم من حولنا»، وقال إن ما رآه «مشهد مؤلم لا يمت للثقافة بصلة».