ما زلنا نؤسس لنظام جودة ونطمح لتطبيق معايير جودة دون أن يكون لدينا أدنى مقومات ثقافة الأرقام !!!. إننا نجد أن بعض العاملين الصحيين لايتقنون الربط بين ممارساتهم المهنية وبين معدلات قياس جودة منتج الخدمة المقدمة. والأمثلة في هذا المجال عديدة، فما بال أحد الجراحين يقوم بإجراء عملياته الجراحية وهو لا يعبأ بمعدلات إلتهاب الجروح الناتجة عن عملياته وقدلا يعبأ بمعدل المراضة والوفيات الناتجة عن العمليات. والمثال نفسه يتكررعند الطبيب المتابع لبعض الأمراض المزمنة حيث لا يتنبه لرصد معدلات الآثار الجانبية للعلاج المُعطى. وربما لا يعبأ الطبيب المعالج بعدد زيارات المريض لغرفة الطوارئ نتيجة لعدم التزام المريض بالرعاية الذاتية أونتيجة خلل في انتظام المريض على العلاج أو لقصورٍ في وعيه تجاه مرضه. وربما نجد أن أحد المدراء لا يهتم بالحصول على جودة عالية من الأرقام والمعدلات واللتي تعتبر في الغالب أدوات تُمكنه من مقارنة المعدلات المرصودة في إدارته وبين المعدلات المحلية والعالمية. وقد يكون هذا كُله إما بسبب انعدام ثقافة الرعاية الصحية المتكاملة أوبسبب جهل مقدم الخدمة بأهمية تلك المعدلات أوبدعوى أن الأمر ليس من شأنه أولأسباب أخرى لايتسع المقام هنا لذكرها. ألا تتفقون معي سادتي أن الإنسان عدو مايجهل!!!. ويحضرني هنا تعليق سعادة الأستاذ (الدكتور باخطمة) على إحدى مقالاتي المنشورة وتأكيده على ضرورة رفع الوعي بالعمل الطبي المؤسسي. أي وبإختصار شديد؛ فالطبيب مسئول عن الرعاية الطبية من تشخيص وعلاج وهيئة التمريض مسئولة عن الرعاية التمريضية وتثقيف المريض بعد الجراحة وقيادة المستشفى مسئولة عن متابعة جودة الخدمات المقدمة والقوى العاملة وجودة المعدلات المرصودة ودعم الخدمة وتوفير مستلزمات الخدمة الطبية والتخطيط للتدخل في حال رصد أي خلل (ارتفاع أوانخفاض) في المعدلات. حقيقة وكي يتحقق النجاح في العمل المؤسسي فإن الخدمات الطبية وجودة معدلات منتج الخدمة توأم لا يمكن فصله إذا أردنا أن نُقيم جودة الخدمة. ولا ينبغي بأي حالٍ فصلهما كما هو الحال لدى بعض المؤسسات الصحية بسبب الرعب المتأصل من تلك الأرقام والمعدلات. كما أنني أوصي تلك المؤسسات الصحية بأن تحاول التخلص من أيةِ مشاعر سلبية أو تحسسٍ زائد تجاه أي من المعدلات المرصودة. إذًا ما المطلوب؟؟ أنا لا أطالب بأن يكون الواحد منا ضليع في الإحصاء والحاسب، بل أطالب فقط بتحسين الحس الرقمي. وكذلك توجيه سلوكيات أعضاء الفريق الصحي على جميع مستوياته تجاه ثقافة الأرقام والمعدلات المرصودة عن الخدمة الصحية المقدمة من حيث العمل على تحري الدقة، المصداقية والشفافية في رصد الأرقام والمعدلات تحقيقاً لقوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون}. رسالتي الأخيرة في هذا المقام أنه من الحكمة أن تُستخدم تلك الأرقام كأداة بناءٍ للنظام الصحي ولا ينبغي بأي شكل من الأشكال أن تكون أداةً للهدم. ودمتم بصحةٍ وعافية. *رئيسة قسم تثقيف المرضى وعائلاتهم بمستشفى المساعدية للولادة والأطفال *إستشارية طب المجتمع