توفي مساء أمس في العاصمة الفرنسية باريس المفكر العربي البارز محمد أركون عن عمر ناهز الثانية والثمانين. وخلّف المفكر الجزائري المولود في منطقة القبائل عام 1928، وراءه تراثاً ضخماً من الأعمال البحثية والفكرية، في مجال الدراسات القرآنية والإسلامية وفق المناهج الحديثة. ومع أن الراحل قد ألف جميع كتبه باللغة الفرنسية، إلا أنها حظيت على استمرار بالاهتمام الكبير في العالم العربي، وخاصة في الأوساط الأكاديمية، ولكن أيضاً عبر وسائل الإعلام والمنتديات الثقافية. ويعتبر كثير من المتابعين العرب، محمد أركون رائداً في مجاله، على الأقل في العالم العربي، حيث أخضع النصوص الدينية، والتراث الديني للتحليل والدراسة وفقاً لأحدث المناهج العملية. وكان أركون يعتبر أن منهجه هذا ليس جديداً تماماً على الفكر الإسلامي، بل يرى أنه يسير على خطى مفكري المعتزلة، الذين أخضعوا، حسب أركون، النصوص الدينية للمساءلة العقلية، قبل أكثر من ألف عام. كما سعى الراحل عبر مسيرته العلمية الممتدة على مدى أربعين عاماً إلى تجذير مفهوم "الأنسنة" (هيومانيزم) في الفضاءين العربي والإسلامي. وظل مهتماً بهذا المشروع حتى آخر أيامه. وكان آخر ما صدر له باللغة العربية هذا العام كتابين هما: " الأنسنة والإسلام، مدخل تاريخي نقدي" و "نحو نقد العقل الإسلامي". يُذكر أن المفكر الراحل قد عمل لمدة سنة أستاذا زائراً في جامعة أمستردام. وقد خاض أثناءها حواراً طويلاً وموسعاً مع السياسي الليبرالي الهولندي البارز فريتس بولكستاين حول الإسلام وعلاقته بالديمقراطية والعقلانية، وحول العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي. وقد صدرت تلك الحوارات باللغة العربية في كتاب حمل عنوان "الإسلام، أوربا والغرب"، واعتبره كثيرون كواحد من المصادر الأكاديمية الأساسية، التي تضع قاعدة أكاديمية للجدل الدائر حول الإسلام في الفضاء الأوربي.