رسمت صحيفة بريطانية أمس (الجمعة) صورة قاتمة للعلاقات البريطانية - السعودية. وكشفت أن التوتر بين البلدين بلغ ذروة تمثلت في مغادرة السفير السعودي لدى المملكة المتحدة مقر عمله، عائداً إلى بلاده، احتجاجاً على ما تعتبره السعودية معاملة لا تليق بها. وكشفت أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أطلق مهمة دبلوماسية سرية ل«إنقاذ» العلاقات مع السعودية، وسط مخاوف من أن سفير السعودية لدى بريطانيا الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز غادر لندن منزعجاً. ونسبت صحيفة «ديلي تلغراف» إلى «مصدر مطلع» في مقر الحكومة البريطانية قوله: «يبدو أن السعودية تشعر بأنها تُعامَل مثل كرة قدم سياسية، وقد نفد صبرها حيال ذلك. ولم تهدأ الأمور موقتاً إلا بعدما تدخل رئيس الوزراء، لكن السعوديين يريدون ضمانات». وذكرت أنها علمت أن وزارة الخارجية البريطانية تخشى أن السفير السعودي لدى المملكة المتحدة يعتزم التمتع موقتاً ب«الغياب في إجازة»، فيما قامت السعودية ب«مراجعة واسعة النطاق» لعلاقاتها مع بريطانيا. ومضت الصحيفة البريطانية المقربة إلى دوائر حزب المحافظين الحاكم للقول: بيد أن العلاقات مع السعودية حيوية للأجهزة الأمنية البريطانية. كما أن السعودية شريك تجاري رئيس. وأثار الانهيار الدبلوماسي المحتمل للعلاقات ذعراً في «دواننغ ستريت» (مقر رئيس الحكومة). وأضافت أن رئيس موظفي مكتب رئيس الوزراء نقل (الأربعاء) رسالة إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، في مسعى إلى إزالة الضرر الذي لحق بعلاقات البلدين. كما زار المملكة الأسبوع الماضي وزير الخارجية فيليب هاموند، والتقى الملك سلمان في الرياض. وتردد أن من المحتمل أن يقوم كاميرون بزيارة للسعودية بحلول نهاية العام الحالي. وأوردت الصحيفة أن السفير السعودي لدى بريطانيا سيبقى في لندن، فيما تستمر المحادثات بين البلدين. وذكرت «ديلي تلغراف» أنه في الأسبوع الذي حذّر فيه رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية البريطانية (ام آي فايف) أندرو باركر من أن بريطانيا تواجه هجمات يشنها إرهابيو «داعش»، ستوقع عدداً كبيراً من الضحايا، فإن رئاسة الحكومة في لندن متلهفة لضمان أن تُبقي على علاقات جيدة مع السعودية، التي وصفتها «ديلي تلغراف» بأنها أهم حليف للحكومة البريطانية في الشرق الأوسط. وأشارت إلى أنه يخشى أن تعمد السعودية إلى خفض مستوى تعاملها الاستخباري مع الأجهزة الأمنية البريطانية. وأشارت إلى أن أي انهيار للعلاقات مع السعودية سيلقي بظلاله على تبادل تجاري ببلايين الجنيهات. وأشارت إلى أن الرئيس التنفيذي لشركة «بي أيه إي سيستمز» البريطانية المختصة في الصناعات الجوية إيان كنغ كان حذر في وقت سابق من العام الحالي من أن الشركة ستضطر إلى تقليص الوظائف وإغلاق مرافق العام المقبل إذا لم تتلق طلباً سعودياً جديداً. وأوضحت أن التوتر الدبلوماسي بين البلدين تفاقم في 13 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، بعدما أعلنت الحكومة البريطانية أنها قررت إلغاء عقد قيمته 5.9 مليون جنيه إسترليني لتزويد سجون المملكة ببرنامج تدريبي. واعتبر الإلغاء انتصاراً مهماً لوزير العدل مايكل غوف الذي تم تسريب تراشقات ساخنة من جانبه مع كاميرون وهاموند في اجتماع لمجلس الوزراء بسبب العقد السعودي. ودعا غوف رئيس الوزراء ووزير الخارجية بإعلان موافقة الحكومة على الإلغاء. وزادت أنه في الأيام الأخيرة الماضية تردت العلاقات مع السعودية بدرجة كبيرة، إلى درجة أنه تم تحذير مكتب رئيس الحكومة من أن سفير السعودية الأمير محمد بن نواف «مستعد رسمياً ل«الانسحاب» من المملكة المتحدة». ووصفت «ديلي تلغراف» ذلك بأنه كان، في حال حدوثه، سيشكل «ضربة مؤذية» للحكومة البريطانية. ونسبت «ديلي تلغراف» إلى «مسؤولين في الرياض» أبلغوها أنه في تمام الساعة الثانية من بعد ظهر الأربعاء اتصل رئيس موظفي مكتب رئيس الوزراء أيد لولين بالسفير السعودي، وطلب منه الحضور إلى «داوننغ ستريت» ليتسلم «رسالة شخصية» من كاميرون. بيد أن «داوننغ ستريت» أُبلغ بأن السفير السعودي غادر أصلاً إلى السعودية. فاتخذ مكتب رئيس الوزراء قراراً بنقل رسالة شخصية إلى العاهل السعودي، في مسعى لتبديد الاحتقان الدبلوماسي بين البلدين. وزادت الصحيفة البريطانية أن وزير الخارجية هاموند سعى خلال زيارته للرياض (الأربعاء) إلى طمأنة الجهات السعودية العليا في شأن أهمية تلك العلاقات، خصوصاً ما يتعلق بالتعاون الاستخباري والعسكري. لكنها نقلت عن مصادر لم تسمها في العاصمة السعودية أن المسؤولين السعوديين لم يبدوا ارتياحاً لتمسك الوزير هاموند بأن تسعى المملكة إلى إقامة علاقات وثيقة مع إيران التي تعد أكبر منافسيها في الشرق الأوسط.