رغم أنه غاب رسميا عن السلطة في اليمن وأصبح يعتبر رئيسا سابقا إلا أن دوره في الكواليس أكبر بكثير مما يبدو، علي عبد الله صالح مازال طرفا أساسيا في اللعبة، بل يعتبره البعض أهم فاعل في المشهد اليمني. لم يمض وقت قصير على بدء ضربات التحالف السعودي العربي لجماعة أنصار الله الحوثية في اليمن حتى بدأ الحديث عن أن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح يحاول من خلف الكواليس عقد اتفاق مع السعودية. وجاء ظهوره التلفزيوني الذي طالب فيه كل الأطراف بوضع السلاح والرجوع إلى التفاوض حول حل سياسي ليعزز هذه التأويلات. وبين متوقع بأن يتراجع نفوذ الحوثيين في اليمن نتيجة تواصل القصف السعودي لأهدافهم واحتمال تخلي صالح عنهم، ومن يرى أن السعودية تورطت في حرب قد تخرج منها خاسرة بسبب تعقد المشهد اليمني، يواصل صالح سعيه الحثيث لحماية مصالحه، تارة عبر دعم الحوثيين وتارة أخرى عبر التودد للسعوديين، فإلى أي حد مازال هذا الرجل اللعب يتحكم بخيوط المشهد اليمني، وما مستقبل علاقاته مع السعودية؟ مروض الأفاعي --------------------- ذات يوم قال صالح إن حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين. وفي مقابلة صحفية سنة 2010 قال إنه يمكن تغيير التسمية من ثعابين إلى أفاع وأضاف أنه قادر على ترويضها. الصحفي الألماني راينر هرمان يقول في مقال له في صحيفة فرنكفورته ألغماينه تسايتونغ، إن صالح عرف منذ توليه رئاسة اليمن عام 1978 كيف يوازن بين الفاعلين السياسيين المتعددين في بلاده. ويضيف أنه في فبراير 2012 "بدا وكأن العسكري المحترف المولود عام 1942 فقد سلطته فقد فرضت عليه الاستقالة واختير نائبه عبد ربه منصور هادي رئيسا جديدا حسب السيناريو السعودي الأميركي وبذلك اختفى من الساحة السياسية. لكنه بقي يحرك الخيوط من وراء الكواليس؛ أما اليوم فلم يعد هناك شيء يتحرك في اليمن بدونه". في سنة 2011 وإثر اندلاع الثورة اليمنية ساندت السعودية صالح، وتقدّمت دول مجلس التعاون بمبادرة خليجية لحل الأزمة. في العام 2014 حاولت الرياض التوسط لرعاية مصالحة بين صالح وخصومه من حزب "الإصلاح" واللواء علي محسن الأحمر وغيرهم. وقد رحب صالح بالوساطة، لكنه على ما يبدو انقلب عليها. ووصلت العلاقات بين السعودية وبين الرئيس السابق إلى العداوة عندما تبنى جماعة الحوثيين التي تعتبرها الرياض خطرا على أمنها القومي. هل يدفع صالح غاليا ثمن تبنيه للحوثيين، أم انه سينجو بجلده مرة أخرى؟ فقدان ثقة السعودية -------------------------- ومن المؤكد أن صالح كان مدركا لحجم الاستياء الذي ستشعر به السعودية إذا قام بدعم الحوثيين. كما أن هؤلاء لم يكونوا يستبعدون رد فعل قوية من السعودية على تحركاتهم وهي التي دخلت في تصعيد إقليمي مع إيران بعد أن قوي نفوذ الأخيرة بشكل كبير في المنطقة. ومع ذلك دعم صالح الحوثيين وساعدهم على تحقيق تقدم كبير على الأرض بفضل القوات التابعة له. ويرى البعض في ذلك لعبا بالنار بينما يفسره آخرون برغبة صالح في الانتقام ممن قادوا الثورة ضده ومحاولة منه العودة للسلطة. بيد أن هناك من يعتقد أن صالح يحاول مواصلة خداع السعودية معولا على ذكائه، فهي ليست المرة الأولى التي تضطرب فيها العلاقات بين الطرفين. في العام 1990 تأزمت العلاقة بينهما حين أظهر صالح تعاطفه مع الرئيس العراقي صدام حسين عند اجتياحه الكويت رغم إدانته للغزو. يومها ساءت علاقته بالرياض وبدول الخليج إلى حد كبير. الأزمة بين اليمن والسعودية التي رفضت ضمها لمجلس التعاون الخليجي وصلت حدا كبيرا عام 1994، عندما وقفت السعودية إلى جانب الحزب "الاشتراكي" الذي أعلن الانفصال أثناء الحرب الأهلية. عادت العلاقات بين البلدين بعد توقيع مذكرة تفاهم في 1995 وجاءت ثمرة عودة العلاقات في العام 2000 بتوقيع اتفاقية الحدود، التي اعتبرت تحولاً تاريخياً هاماً لتشهد العلاقات بعدها تحسنا ملحوظ، خصوصاً في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز. وحسب بعض المصادر فإن الحوثيين الذين استولوا على القصر الرئاسي في صنعاء كانوا ينوون مساء ذلك اليوم إعلان مجلس عسكري مناصفة بينهم وبين صالح، لكن ذلك تأخر لأسباب غير معروفه. فقد فضل الحوثيون محاورة الرئيس هادي على تعيين نائب رئيس وذلك لشرعنة موقفهم لكن هادي فاجأ الجميع باستقالته. وتعتقد مارايكا ترانسفيلد الخبيرة الألمانية في شؤون اليمن أنه لم يعد هناك مجال عن إمكانية عودة صالح إلى السلطة بعد الهجوم السعودي. وتضيف ترانسفيلد ل DW عربية قائلة: "تاريخيا العلاقات في الأصل لم تكن يوما جيدة تماما بين صالح والسعودية هذا من جهة، ومن جهة أخرى السعودية الآن تضرب أهداف صالح وتسعى لإضعافه وهذه سابقة في تاريخ العلاقات". ولهذا تعتقد ترانسفيلد أن السعودية ستواصل تجاهلها لنداءات صالح لأنها فقدت ثقتها فيه. كيف سيتعامل صالح مع الوضع الراهن؟ -------------------------------------------- العارفون بشخصية صالح يؤكدون أنه سياسي ماكر يغير جلده حسب مصالحه. لكن لا أحد يمكن أن يتنبأ الآن جازما بما سيقدم عليه صالح كخطوة قادمة. بعض التقارير بدأت تتحدث عن أنه يستعد للفرار إلى أريتريا التي يملك فيها أملاكا وعقارات كثيرة. وتعتقد ترانسفيلد أن السيناريو المطروح أمام صالح الآن هو مواصلة دعم الحوثيين إذا استمرت السعودية في تجاهل دعواته. "من المؤكد أنه لن يستسلم، سيحاول تحسين علاقاته مع السعودية وإن لم يفلح فسيواصل استفزازها بدعمه للحوثيين"، تقول ترانسفيلد. ويعتبر بعض المراقبين أن صالح حطم أحلامه بالعودة إلى السلطة عبر ترشيح نجله، بل يذهب البعض إلى أن الحرب على اليمن هي في الواقع بين السعودية وصالح قبل أن تكون ضد الحوثيين. وهو ما تؤكده الخبيرة الألمانية "لم يعد هناك مجال لتوقع مستقبل ما لصالح ولا لأحد أقربائه في المشهد السياسي اليمني، فالهجوم السعودي أضر مصالحه وقواته أكثر مما يضر الحوثيين. ومن المؤكد أن السعوديين لن يقبلوا به بعد الآن جزءا من اللعبة السياسية"، وهذا ما ينسجم مع تصريح جديد للسفير السعودي في اليمن يقول فيه إنه لا مستقبل لصالح في اليمن.