في الوقت الذي انخفضت فيه أسعار النفط العالمية هذا الشهر، كان وزير النفط السعودي "الثرثار" عادةً، علي النعيمي، في إجازة. وغياب النعيمي عن ساحة النزاع، حيث يقول أشخاص مطلعون على جدول أعماله، إنه كان في إجازة منذ نهاية سبتمبر وعاد فقط منذ أيام إلى مكتبه، هو أحد أعراض ارتفاع مستوى المعارضة بشكل غير معتاد داخل المملكة، وهو ما تركها غير متأكدة بشأن كيفية الرد على انكماش أسعار النفط. وبحسب ما نقلته صحيفة "التقرير" عن "وول ستريت جورنال"، فإن خلال حدوث التغيرات الحادة مؤخرًا في أسعار النفط، كان التجار ينتظرون للحصول على تصريحات من مسؤولين سعوديين رفيعي المستوى قد تطمأن الأسواق، حيث أن المملكة العربية السعودية هي حتى الآن أكبر منتج للنفط داخل منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، وتضخ نحو 10 مليون برميل من النفط الخام يوميًا. وعادة ما يكون النعيمي، البالغ من العمر 79 عامًا، ووزير النفط منذ عام 1995، المتحدث الرئيس باسم المملكة فيما يخص هذا القطاع. ولكن هذه المرة، لم نتمكن من الوصول إلى النعيمي للحصول على تعليق. وقد انخفضت أسعار خام غرب تكساس الوسيط وبرنت القياسية بأكثر من 25٪ منذ منتصف يونيو/حزيران. ويعتقد بعض المسئولين في الرتب العليا في المملكة أن السعودية تسمح بانخفاض الإيرادات بطريقة لا يمكن تحملها. بينما يعتقد آخرون بأن على المملكة العربية السعودية أن تقبل الانخفاض الأخير في أسعار النفط، وأن تركز على زيادة حصتها في السوق، وخصوصًا في آسيا. وقال دينيس فلورين، وهو شريك في المركز الفرنسي لاستشارات الطاقة افوازييه كونسيل: "هناك نقاش داخلي، حول ما إذا كان على السعودية أن تركز على التأثير قصير الأجل لانخفاض السعر على الإيرادات، أم على الميزة متوسطة الأجل لهذا الانخفاض من خلال القضاء على منافسة المنتجين الآخرين". وأثناء صدمات أسعار النفط السابقة، كان النعيمي أو المجلس الأعلى للبترول والمعادن، وهو أعلى هيئة في المملكة العربية السعودية لاتخاذ القرارات بشأن أسواق النفط، ويقودها الملك عبد الله بن عبد العزيز، قد اعتادوا على إرسال إشارات واضحة حول نية وقرارات المملكة. وعندما ارتفعت أسعار النفط في عام 2012؛ نتيجة تعطل الإمدادات بسبب الانتفاضات العربية والعقوبات على إيران، أصدر المجلس بلاغًا يشير إلى أن السعودية مستعدة للتحرك من أجل تحقيق الاستقرار في الأسواق. وعندما بدأت أسعار النفط بالتراجع هذا الصيف، بدا المسئولون في الرياض منزعجين في البداية. وقال النعيمي على هامش مؤتمر النفط الكويتي يوم 11 سبتمبر: "الأسعار متقلبة دائمًا، هذا هو الوضع الطبيعي". وقال صاحبه المستشار إبراهيم المهنا، في 30 سبتمبر، إن: "الإنتاج الصخري للولايات المتحدة قد خلق أرضية سعرية حول 90 دولارًا للبرميل، وهذا هو السعر الذي انخفض إليه خام برنت خلال أوائل أكتوبر/تشرين الأول". ولم يتحدث النعيمي علنًا عن أسعار النفط منذ مؤتمر الكويت. وفي الوقت نفسه، لم يصدر أي بيان عن المجلس الأعلى حول أسعار النفط في الأشهر الأخيرة. وعن هذا، قال فلورين: "إذا لم يكن هناك بيان رسمي، فهذا يعني أنه لا يوجد إجماع داخل الحكومة السعودية". وفي الأسبوع الماضي، تسربت معلومات نقلًا عن مسئولي النفط السعوديين، بأن إمدادات المملكة من النفط إلى الأسواق المحلية والدولية قد انخفضت بنسبة 300 ألف برميل يوميًا في سبتمبر، مما يشير إلى أنها كانت قد خفضت الإنتاج. ولكن، وفي الواقع، كان الإنتاج السعودي قد ارتفع في شهر سبتمبر، ولكن بعض الإنتاج تم تخزينه. كما وأظهرت بيانات من أويل موفمنتس الاستشارية أيضًا أن الصادرات السعودية كانت ثابتة شهرًا تلو آخر. واعترف مسئول سعودي أن بيانات أويل موفمنتس كانت دقيقة تقريبًا، وأن بعض المسئولين أعطوا تعليمات بتسريب الرقم المعروض، ولكن ليس بيانات التصدير، من آجل اختبار السوق. وقال: "عذرًا، هذه هي السياسة". ولم يتم تفسير تسريبات سعودية أخرى على النحو المنشود. ففي أوائل أكتوبر، حضر مندوبون بقيادة ناصر الدوسري، وهو ممثل المملكة العربية السعودية في منظمة أوبك، ندوة في نيويورك نظمتها مجموعة بيرا للطاقة. وقد تسرب أن الدوسري قال سرًا للحضور إن: "المملكة لم تنزعج من قبل انخفاض الأسعار، وأنها لن تخفض إنتاجها من جانب واحد". ورأى المجتمعون أن هذه التصريحات، هي إشارة إلى أن السعودية تحاول تقويض إنتاج النفط الصخري في أمريكا الشمالية، من خلال السماح بهبوط الأسعار إلى نقطة تصبح معها بعض مشاريع الصخر الزيتي غير اقتصادية. وقال شخص مطلع على ما جرى في الاجتماع: "ما تم فهمه حول الصخر الزيتي، لم يكن ما كان السعوديون يقصدونه". ويختلف آخرون في الدوائر النفطية السعودية، مع وجهات النظر التي أعرب عنها في نيويورك. نائب النعيمي نفسه، وهو الأمير عبد العزيز بن سلمان، مساعد وزير البترول، يساوره القلق من أن الميزانية السعودية لا تستطيع تحمل أسعار النفط عند مستوياتها الحالية المتدنية، وفقًا لما يقوله ناس على دراية بالأمر. وتقول تقديرات بنك دويتشه إن "المملكة تحتاج إلى أن يكون سعر خام برنت في المتوسط 93 دولارًا للبرميل؛ من أجل الحفاظ على ميزانيتها للسنة المالية الحالية". وفي الوقت نفسه، الانتقادات الداخلية للنعيمي آخذة في الازدياد. وقال أحد المسئولين في الصناعة السعودية: "قبل أن تبدأ الأسعار بالسقوط، كانت هناك علامات تنذر بالخطر في السوق، ولكن النعيمي لم يظهر أي علامة من علامات القلق". وقال آخر: "إنه لم يعد يستمع لمسئولي النفط". وقد صعدت التوترات إلى السطح في وقت سابق هذا الشهر، عندما انتقد الأمير الوليد بن طلال، وهو عضو بارز في العائلة المالكة، علنًا نهج النعيمي في انخفاض الأسعار، وقال: "متى يجب أن نشعر بالقلق، سيادتكم؟... هل ننتظر حتى تصبح الأمور خارج نطاق السيطرة؛ لكي يكون علينا سحب واستنزاف الاحتياطيات العامة للدولة؟".