لم تكن تعلم ليلى مرزوق والدة خالد سعيد أو "شهيد الطوارئ" أن الذكرى الأولى لوفاة ابنها سيحتفل بها آلاف بل ملايين المصريين بعد أن مر عام على حادث موته الذي أشعل الحماسة في قلوب المصريين، فصنعوا ثورة أطاحت بنظام استمر ثلاثين عاما. أطلقت السيدة ليلى على نفسها لقب "أم المصريين" بعد أن أصبحت وفاة ابنها خالد بالتعذيب على يد شرطييْن بقسم شرطة بالإسكندرية الشرارة التي حركت الشباب لتنظيم وقفات ومظاهرات احتجاجية مطالبين بمحاسبة المسؤولين عن موته من وزارة الداخلية. وقالت في حديثها للجزيرة نت في حوار أجراه معها الزميل أحمد عبد الحافظ إن ابنها "شهيد التعذيب" إحدى أهم أيقونات الثورة التي فضحت النظام المصري، وكشفت عن وجه الداخلية، معتبرة أن وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي أحد المسؤولين عن وفاة ابنها حيث أصبح التعذيب، الذي يصل إلى حد الموت، في عهده نظاما متبعا وليس استثناء. ورفضت ليلى تشبيه ابنها خالد سعيد ب"محمد بوعزيزي" مفجر الثورة التونسية، قائلة "خالد كان مُلهم للشباب التونسي، فبعد وفاته استلهم الثوار في تونس شرارة الاحتجاجات من خبر تعذيبه ووفاته، لذلك يمكننا أن نشبه "بوعزيزي" تونس بخالد سعيد الثورة المصرية وليس العكس. وعن سير المحاكمات القضائية لقيادات النظام السابق للرئيس المخلوع مبارك وعائلته، أبدت ليلى كامل ثقتها في القضاء المصري، وأنه قادر على الثأر لابنها والقصاص من قاتليه ومحاسبة المسؤولين عن سقوط عشرات القتلى أثناء الثورة المصرية، سواء من سقطوا في ميدان التحرير أو المحافظات الأخرى. وإلى نص الحوار: بماذا تشعرين بعد مرور سنة على مقتل خالد؟ أشعر أن مقتل ولدي لم يضع هدرا، وأن ثمن دمائه هو الحرية التي شعر بها الشباب بعد نجاح ثورة 25 يناير في الإطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك، وأنه رغم الضحايا الذين استشهدوا بعد ابني في ميدان التحرير وفي المواجهات مع الأمن فإن النتيجة كانت مرضية وهي التخلص من نظام فاسد. برأيك من المتسبب الحقيقي في مقتل ولدك؟ المسؤول الرئيسي عن قتل ابني هما الشرطيان السريان اللذان اعتديا عليه بالضرب وسط الطريق العام حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، ورئيس المباحث الذي أمرهما بذلك، ومدير أمن الإسكندرية المسؤول إداريا عن كل سلوكيات رجال الشرطة الواقعين بمحيط المحافظة، ووزير الداخلية حبيب العادلي الذي أطلق يد رجاله للاعتداء على المواطنين، والرئيس المخلوع حسني مبارك الذي أرسى مبدأ الهمجية واحتقار المواطنين وفعل أي شيء من أجل الحفاظ على مقعد الرئاسة بأي ثمن. كل هؤلاء مسؤولون عن مقتل ابني خالد خاصة بعد أن أصبحت الوفاة على أيدي رجال من قوات الشرطة أمرا طبيعيا، ولم يكن خالد أول ضحية. هل شعرت بالراحة بعد أخذ الثوار الثأر لك من النظام؟ شعرت بفرحة عارمة كمواطنة مصرية تحررت من النظام الفاسد والمستبد الذي قبع على قلوب المصريين طوال ثلاثين عاما من الظلم والتعذيب، لكنني لم أشعر بالارتياح كأم لأنني لم أحصل حتى الآن على حق ولدي ولم آخذ بالثأر ممن قاموا بالاعتداء على ولدي وقتله بدون ذنب. ما هو الحكم الذي تنتظرينه في قضية مقتله؟ أنتظر الحكم بالإعدام شنقا على كل من شارك بأي شكل في قتل ابني، ولن يريح قلبي سوى هذا الحكم، حيث إنني لم آخذ العزاء فيه حتى الآن انتظارا لأخذ الثأر من قاتليه أولا. هل هناك فرق بين تعامل المصريين مع قضية مقتل خالد قبل الثورة وبعدها؟ المتظاهرون احتشدوا بالأماكن التي شهدت الوقفة الأولى عقب مقتل خالد لا، فالمصريون جميعهم تعاطفوا مع قضية مقتل ولدي منذ اللحظة الأولى، واعتبرني كل الشباب أما لهم، لكنهم شعروا بعد نجاح الثورة أن ما فعلوه من أجل القصاص العادل من قتلة ولدي لم يذهب سدى، وأنه بالفعل لا يضيع حق وراءه مطالب. ما درجة الضغوط والتهديدات التي مارسها عليكِ النظام السابق للتخلي عن المطالبة بالقصاص من قاتلي ولدك؟ قام أفراد الأمن بكل أنواع المضايقات والتهديدات لنا ولأهالينا وأصدقائنا والمتعاطفين معنا، حتى وصل الأمر إلى منع الزائرين من دخول المنزل بالقوة، ومحاولة فبركة القضايا وتلفيق الاتهامات ضدنا، لإجبارنا على التنازل عن حق ابني. ماذا يعني لك احتفال الناشطين السياسيين بمرور سنة على مقتله؟ احتفال الناشطين السياسيين بذكرى مرور سنة على مقتل خالد، يؤكد مدى أهمية تلك القضية في حياة المصريين، حيث يشعر قطاع عريض منهم أن ثورة 25 يناير بدأت بشكل فعلي حينما ربط المتظاهرون بين تلك القضية وبين الفساد والاستبداد الذي يمارسه النظام ضد الشعب، وعندما بدؤوا في الهتافات التي تنادي بسقوط حسني مبارك. كيف ترين سير المحاكمات القضائية لرؤوس النظام السابق من مبارك وأعوانه؟ أنا أثق في القضاء المصري بنسبة كبيرة، ومتأكدة من صدور أحكام عادلة على الجناة تتناسب مع حجم الجرم الذي ارتكبوه، وعشرات الشهداء الذين راحوا ضحية نظام فاسد استمر ثلاثين عاما. ورغم الضغوط التي يتعرض لها القضاء فإن سير المحاكمات ما زال حتى الآن مرضيا، ولكن لابد من الضغط الشعبي لاستكمال هذه الخطوات، وميدان التحرير هو الشرعية الوحيدة لهذا البلد، خاصة وأن هناك من يحاولون تشويه صورة المتظاهرين في التحرير، ولكن لابد أن نكون أكثر وعيا. ما تقييمك لسير ونجاح الثورة المصرية؟ الثورة المصرية بدأت ونجحت، وأبهرت العالم أجمع، ولكنها لم تنته، ومازالت مستمرة، وعليها أن تبقى هكذا حتى تحقيق كل المطالب، والثأر لدماء الشهداء الذين راحوا ضحيتها، واسترجاع الأموال المنهوبة، وتطهير البلد من الفساد. وأنا أنصح الثوار أن يتركوا ميدان التحرير ويستمدوا منه قوتهم، بعد أن أصبح الشعرة الوحيدة للشعب المصري، مع الحفاظ على سلمية ثورتهم العظيمة التي استطاعت الإطاحة بنظام ظل على صدور المصريين ثلاثين عاما. برأيك لماذا كان مقتل خالد شرارة الثورة المصرية على الرغم من ظهور حالات كثيرة من التعذيب داخل أقسام الشرطة؟ خالد كان حادثة واحدة من عشرات النماذج والحوادث والفيديوهات التي كشفت حالات تعذيب داخل وزارة الداخلية وأقسام الشرطة، ولكنه القدر الذي جعل ابني شرارة لهذه الثورة، فوفاة خالد كانت مفتاح الثورة الذي حرّك الشباب المصري لتنظيم وقفات ومظاهرات، فمنذ أول يوم لوفاته هتف المتظاهرون بسقوط النظام المصري، ومحاكمة وزارة الداخلية. وأراد الله أن يجعل من ولدي شهيدا ونبراسا لكل المصريين لنيل حريتهم، وسمع المواطنون الكثير من حوادث التعذيب والتنكيل والقتل على أيدي رجال الشرطة ولم يتحركوا، ولكن عندما رفضوا السكوت أمام قتل ولدي وطالبوا بالقصاص العادل، كافأهم الله بحصولهم على الحرية والكرامة الإنسانية. هناك من يرى خالد إحدى "الأيقونات" الرئيسية التي حركت الثورة المصرية، ما رأيك في ذلك؟ خالد يُعد السبب المباشر في اندلاع ثورة 25 يناير، وأعتبره "مفتاح الثورة الحقيقي" حيث أدى مقتله إلى انفجار ثورة الغضب داخل قطاع واسع جداً من الشباب وجموع المواطنين، الأمر الذي أدى إلى خروج عشرات الآلاف منهم في مظاهرات للمطالبة بالقصاص، وهو ما كان بمثابة "بروفة" للثورة. هل ترحبين بإطلاق اسم شهيد الطوارئ على ابنك؟ بالرغم من اشتهار قضية مقتل خالد شعبيا وإعلاميا باسم "شهيد الطوارئ" فإنني أفضل أن أطلق عليه اسم "شهيد التعذيب" حيث كان تعذيب المواطنين في أقسام الشرطة والمقار الأمنية في عهد الرئيس السابق عملا ممنهجا وله آلياته وأساليبه، ومن أهم سمات عصر حكمه لمصر. بعد علمك بخبر مقتل ولدك بهذه الطريقة، هل توقعت أن يحرك هذا الخبر غضب عشرات الآلاف في الشوارع بهذه الطريقة؟ لا، لم أشعر مطلقا بأن مقتل ولدي الشاب العادي، الذي ليس له أي انتماء سياسي أو أيديولوجي، سوف يحرك الشباب في الشوارع، وينتج عنه غضبة كبرى، لتكون بدايات ثورة تحرر مصر بأسرها من قيود الديكتاتورية والظلم. هل توافقين على تشبيه خالد بالشاب التونسي البوعزيزي الذي كان سببا مباشرا في اندلاع الثورة التونسية؟ لا، بل بوعزيزي هو الذي يمكن أن نشبهه بخالد سعيد، حيث كان ولدي هو المُلهم لشباب الوطن العربي ومنهم الشاب التونسي، وغيره من الثورات العربية التي ألهمت باقي الشعوب العربية، وكانت الشرارة الحقيقية هي الثورة المصرية، خاصة أن الثورة المصرية تؤتي ثمارها يوما بعد يوم من محاكمة الفاسدين، في مقدمتهم الرئيس المخلوع، والاستفتاء الشعبي الذي أعاد للشعب المصري كرامته، لتبقى الثورة المصرية ملهمة لباقي دول العالم. هل شاركت في ثورة 25 يناير للأخذ بثأر ابنك؟ أنا شاركت في ثورة 25 يناير وظللت في ميدان التحرير منذ يومها الأول وحتى لحظة تنحي مبارك يوم 12 فبراير/ شباط، لتحرير وطني من الفساد والاستبداد، وليس فقط للأخذ بثأر ولدي. هل شعرت بدعم حقيقي من القوى السياسية والحقوقيين في دعم قضية خالد؟ نعم شعرت بدعم صادق وحقيقي من القوى السياسية والمراكز الحقوقية وبخاصة الشباب منهم، وكنت بمثابة الأم الحقيقية لهم جميعاً، وأذاقتهم الأجهزة الأمنية الكثير من أشكال العذاب بسبب تعاطفهم معنا ووقوفهم بجوارنا لمساعدتنا على الحصول على حقوقنا في القصاص العادل من قاتليه. كيف تنظرين إلى وسائل الإعلام التي أهانت خالد لمجاملة السلطة، ثم تراجعت ومجدته بعد الثورة؟ هم كاذبون ومتحولون في كل الأحوال، ولن نتأثر بخداعهم، فهم كانوا يتملقون النظام الفاسد والآن يتملقون المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة الدكتور عصام شرف، دون أن يكون لهم أي موقف مهني أو أخلاقي. هل تشعرين بأن حادث مقتل ولدك من الممكن أن يتم تكراره مع مصريين مرة أخرى بعد الثورة؟ إذا لم يقم المصريون بتطهير كامل أركان دولتهم الحديثة من كل أنواع الفساد وأركانه وأدواته وأساليبه، فلن يتغير الأمر، وجميع المصريين على المحك في الوقت الحالي، حيث يستطيعون أن يحافظوا على حقوقهم وألا يتركوا مصائرهم في أيدي الحكام، وأطالب الجميع بالوقوف كحائط صد ضد أي محاولات لاستعادة الأوضاع القديمة. هل تشعرين بالتغيير في شكل ومضمون محاكمة المتهمين بقتل ولدك قبل ثورة 25 يناير وبعدها؟ منذ البداية وأشعر أن القاضي الذي ينظر القضية هو قاض عادل ولا يراعي غير ضميره ومصلحة التحقيق بشكل عادل، التغير الذي تم محصور في إجراءات تأمين المحاكمة وتدخل وزارة الداخلية في الإشراف عليها والذي قل بشكل ملحوظ، وبخاصة بعد قيام القوات المسلحة بتأمين المحاكمة. متى شعرت أن قضية مقتل خالد أصبحت قضية كل المصريين؟ شعرت أن قضية ابني أصبحت قضية وطن، عندما قدم الدكتور محمد البرادعي الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والمرشح المحتمل على منصب رئاسة الجمهورية، العزاء لي في وقفة احتجاجية تم تنظيمها بمسجد سيدي جابر منتصف المدينة للمطالبة بمحاكمة المتورطين في مقتل خالد. في ذكرى السنة الأولى لوفاة ابنك، ما الرسالة التي تودين توجيهها للحكومة وللشباب المصري؟ أنا لا أريد أي شئ من الحكومة والدولة، فلن يستطيع أحد أن يعيد إلي خالد الذي عُذب حتى لفظ أنفاسه الأخيرة على أيدي المخبرين، لذلك لا أريد شيئا من الحياة سوى القصاص من قاتلي ابني، وأقل شيء هو حكم عادل على هذين المخبريْن. ولي طلب عند الحكومة أن تكون هناك إعانات لأهالي الشهداء والمصابين، فهؤلاء ضحوا بأرواحهم فداء لتحرير هذا الوطن، فأقل ما يمكننا عمله هو رد الجميل لهم ولأهلهم، بتوفير وظائف ومساعدات للشباب الذي فقد عينه أو أصيب بعاهات نتيجة صده لهجمات الأمن والبلطجية. هل ترحبين بالعفو عن الرئيس المخلوع أو نظامه؟ لا يمكن العفو عن مبارك أو أن نسامحه ليس لمقتل ابني أو مشاركته في قتل المتظاهرين أيام الثورة ولكن لأن جرائمه متعددة على مدار ثلاثين سنة في مختلف جوانب الحياة، وكلها جرائم لا يمكن الاعتذار أو التسامح فيها. هناك حديث عن إنتاج فيلم عن خالد سعيد والثورة المصرية.. فهل هذا صحيح؟ بالفعل هناك فيلم سيتم إنتاجه قريبا ما زال تحت الكتابة بعنوان "إقالة شعب" يتحدث عن حياة خالد وكيف أثرت وفاته في تحفيز الشباب المصري، وسيقوم الفنان محمد رجب بتمثيل دور خالد بالفيلم، ونجلاء فتحي تقوم بلعب دور الأم.