شدّد علماء دين ودعاة سعوديون على أن من الواجب على رجال الدين البعد عن إثارة الفتن والسعي لتهدئة الأمور في ما يحدث في بعض الدول العربية بدلاً من الخروج بأقوال قد تزيد من تأجيج المواطنين أكثر.. مشيرين إلى أن كلمة العالم مسموعة ولهذا يجب أن يكون دوره إصلاح ذات البين. وأكدوا في حديثهم ل"العربية.نت" عدم اتفاقهم مع ما قاله رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي وما قاله عضو هيئة كبار العلماء السعوديين الشيخ صالح اللحيدان، وذلك عندما وصف القرضاوي الرئيس السوري بأنه أسير حاشيته وطائفته، وأنه يعامل شعبه على أنه سنّي، بينما اعتبر الشيخ اللحيدان النظام السوري أنه "بعثي ملحد" وأرجع الطائفة العلوية، التي ينتمي لها الرئيس السوري، إلى الفاطميين، ودعا لإسقاطها بالجهاد. وأشاروا إلى أن مثل هذه التصريحات تؤجج النار أكثر ولا تخدم صالح المسلمين في كل مكان وقد تزيد القتل وسفك الدماء.. ويؤكد أستاذ الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والداعية المعروف الدكتور عقيل العقيل أن الواجب على علماء المسلمين تهدئة الأمور والتريث في إطلاق الأحكام في القضايا العامة وعدم الانسياق وراء الرأي الفردي. ويقول ل"العربية.نت": "مثل هذا الحديث لا يجمع الكلمة ولا يخدم المصلحة العامة أبداً.. بل يجب تهدئة الأمور وعدم إشعالها أكثر.. من الواجب على طلاب العلم ومن قبلهم العلماء التريث وعدم الاستعجال في إطلاق الأحكام على القضايا العامة التي تهم الأمة أجمع؛ لأن مثل هذه الأمور ينبغي أن تناقش ضمن المجامع العلمية والفقهية وأن ينظر المتحدث في مسألة المصالح والمفاسد.. ومن القواعد المقررة شرعاً (أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) وإثارة الشعوب على الحكومات ليس فيه مصلحة يدركها كل عاقل بل يترتب عليها من المفاسد ما الله به عليم".. وتابع "الواجب على علماء الأمة التريث في مثل هذه الأمور وإدراك الأبعاد المشينة في ذلك.. فإن في حديث بعضهم تأجيج للفتنة وإشعال لنارها ودفع للدهماء في المظاهرات لمقاتلة السلطة وهذا تترتب عليه مفاسد عظيمة وقتلى وانتهاك حرمات وفتح باب الشر ولا مصلحة ظاهرة من ذلك". فتوى هلاك ثلث الأمة تخالف نهج الرسولويؤكد الدكتور العقيل رفض فتوى "هلاك ثلث الأمة لنجاة ثلثيها لا إشكال فيه" التي قال بها بعض العلماء، مشدداً على أن هذا لم يكن نهج الرسول الكريم ولا صحابته الأجلاء.. ويقول: "هذا الكلام غير صحيح بل الواجب أن نحرص على سلامة الأمة أجمع.. والهدي هدي محمد (صلى الله عليه وسلم).. فهل تعامل عليه الصلاة والسلام بمثل هذا المنطق؟ بالعكس.. بل قام والصحابة من بعده وعلى رأسهم عمر بحفظ دماء المسلمين جميعاً.. فعمر وخوفاً على المسلمين كاد أن يمنعهم من فتح مصر عندما أرسل خطاباً لعمرو بن العاص قال له فيه "إن فتحت مصر فعلى بركة الله وإلا فقف" خوفاً على الجيش الإسلامي.. وليس صحيحاً أن نهلك ثلث الأمة". ويتابع "الواجب على طلاب العلم درء المفاسد وهم يدركون أجمع أن المصلحة هي في تهدئة الأمور والتعامل بعقلانية لأن ما يحدث لا يخدم الأمة أجمع بل يخدم المتربصين بها". ويشدد على أن الواجب على شباب الأمة العودة إلى العلماء المعروفين بالاعتدال والعلم.. ويضيف "الواجب عليهم الرجوع إلى العلماء الربانيين الذين عرفوا من القدم بالاعتدال.. وعلى رأسهم علماء هذه البلاد وعلى رأسهم الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ والشيخ صالح الفوزان وغيرهما من العلماء المحققين الذين يدركون قيمة ولي الأمر وإن كان فيه نقص أو ضعف". آراء القرضاوي ويرفض الدكتور العقيل فتاوى تكفير بعض رؤساء الدول، معتبراً أنه لا يجوز تكفير من يقول لا إله إلا الله أو نعتهم بالنفاق مادام لم يعلم يقيناً كفرهم.. ويقول "تكفير المعُين يحتاج للقطع فيه إلى هيئة علمية تدرس كل الخفايا.. فلا تستطيع أن تكفّر رجلاً يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله.. ولا تستطيع أن تحكم أنه منافق لأنك لم تدخل في قلبه.. والذين كفّروا بعض الأشخاص كانوا في يوم من الأيام يمجدون بعض زعماء البعث.. فمالفرق بين هذا وذاك؟ ثم إن الدكتور يوسف القرضاوي عندما استلهم منهجه كان يحكم في قضية بأنها شيء ثم يحكم في قضية أخرى مشابهة لها بشيء آخر.. فعندما حدثت تفجيرات سبتمبر اعتبرها إرهاباً وكلنا نعتبرها كذلك، ولكن عندما تحدث تفجيرات في فلسطين فهو يعتبرها جهاداً، وما الفرق بين هذا وذاك؟ فكلها انتحار.. ينبغي للعالم أن يكون منهجه واحداً". لا يجوز التحريض على الفتن والقتل من جانبه، يشدد رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السابق في مكةالمكرمة الشيخ أحمد الغامدي على أنه لا يجوز للعالم صاحب الكلمة المسموعة أن يكون محرضاً على الفتن وأن الأفضل السعي للإصلاح. ويقول ل"العربية.نت": "لا يجوز لعموم المسلمين التحريض على الفتن، ناهيك عن كون من يقوم بذلك رجل له كلمة مسموعة أو صلة رسمية فهذا أولى به ألا يتكلم بشيء من هذا القبيل أو يحرض عليه.. فلا يحرض المسلمون بعضهم على بعض أو من كان بينهم فتنة".. ويتابع "لا يجوز التدخل إلا بما يهدي هذه الفتنة ولا يشعلها أكثر من منطلق (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)، وهذا لعامة المسلمين فضلاً أن يكون عالماً مسموعاً.. ويمثل جهة رسمية". وحول ما قاله القرضاوي واللحيدان أشار إلى أنه "دون التطرق للأسماء فالكلمة مؤثرة وقد تدفع بالناس لما هو أسوأ.. خاصة كلمة علماء الدين فكلمتهم أكبر تأثيراً.. وكل ما يولد الاقتتال والشحناء لا يجوز شرعاً فضلاً عن أن يكون ذلك التحريض للمزيد من سفك الدماء وإزهاق الأرواح والتخريب والضرر بأبناء المسلمين". ليس من حق أحد التدخل في شؤون الغير الداخليةويرى بعض الدعاة أن من الأسلم عدم الخوض في أمور داخلية لدول أخرى مادام لم يروا بأعينهم مايحدث فيها.. مشيرين إلى أن ما تقوله وسائل الإعلام قد لا يكون صحيحاً.. ويؤكد الداعية وخطيب جامع العريجاء بالرياض الشيخ فهد السبيعي ل"العربية.نت: "ليس للآخرين أي علاقة بالشؤون الداخلية لكل دولة ما لم يكن هناك استفتاء من أهل الدولة أنفسهم.. وقد يكون بعض السوريين استفتوا الشيخ صالح اللحيدان بصفته عالم دين وعضو هيئة كبار العلماء في فتواه".. وبشكل عام يقول السبيعي "الشأن السوري شأن داخلي وليس لنا كدعاة سعوديين رأي في ما يحدث فيه ولم نر بأعيننا ولم نسمع بآذاننا ما يحدث هناك كي نحكم إلا ما ينقل عبر وسائل الإعلام، وهذه الوسائل في الغالب لا تأتي بالأخبار على حقيقتها".. ويتابع "أرى ألا يتدخل أحد في الأوضاع الداخلية لكل دولة وعلينا أن نلتفت لما يحدث في بلادنا فقط وهذا يكفينا.. وأن نكون يداً واحدة وصفاً واحداً أمام من يحاول أن يزعزع أمننا ويفرق جماعتنا". حقن الدماء أهم من إشاعة ما لا ينفعويؤكد الشيخ السبيعي أنه من الأسلم عدم إشاعة ما يعلم إذا كان في ذلك إثارة لسفك المزيد من الدماء حتى ولو كان طعنا في ملة ودين الحاكم، ويرى أن الأسلم هو كتم ذلك الأمر حقنا للدماء. ويضيف: "حقن الدماء أوجب من إشاعة بعض الأمور التي لا تضر ولا تنفع.. وقد يترتب على إشاعة مثل هذه الأمور سفك لدماء المسلمين وهذا ما يحدث حالياً.. وقد يكون لوضعه السلبي حجم أكبر من الإيجابي، وأحياناً يجب أن نتكتم على بعض الأمور كي لا يكون هناك سفكاً للدماء وقتل وتشريد وانتهاك الأعراض أمام من لا يهتمون بأمر أهل السنة أو لا ينظرون لهم إلا بدونية.. الصمت في نظري هو أهم".. ويتفق مع الدكتور العقيل في رفض فتوى (هلاك ثلث الأمة) ويراها غير صحيحة.. ويقول: "لا يجوز الخروج على الحاكم أبداً.. بل المحافظة على دم رجل واحد أهم.. والصحابة - رضي الله عنهم - لم يجيزوا ذلك أبداً".