البيان الاماراتية لم يأت من فراغ تأكيد سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة خلال مشاركته في اجتماعات قمة كامب ديفيد أن «على المجتمع الدولي وفي مقدمته الولاياتالمتحدة أن يدرك أن أمن واستقرار الخليج العربي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن العالمي، لذلك فإن وضع رؤية شفافة وواضحة تخدم كافة الأطراف من أجل السلام والاستقرار والتنمية والبناء لدول وشعوب المنطقة مطلب حيوي». والحقيقة التي يدركها كل عاقل أن أمن هذه المنطقة لم يكن يوماً شأناً محلياً خاصاً بدولها فقط، قدر ما كان مسألة تهم المجتمع الدولي ككل، نظراً للدور الحيوي الأساسي الذي تلعبه دول الخليج العربية في توفير مصادر الطاقة لعالم اليوم، شرقيه وغربيه. لذلك لا يصح في النظر إلى قمة كامب ديفيد التعامل معها باعتبارها حاجة لدول الخليج، وحدها، كما حاولت بعض وسائل الإعلام أن تفسر الأمور على هواها، بينما واقع الأمور يقول إن القمة، وكما قال بيانها الختامي صراحة، سعت إلى تعزيز العلاقات الوثيقة بين الجانبين وتطويرها باتجاه «بناء شراكة استراتيجية قوية ودائمة وشاملة تهدف إلى تعزيز الاستقرار والازدهار الإقليميين». ومن الشواهد الرئيسة على البدء الفعلي في مأسسة هذه الشراكة اتفاق القادة على عقد اجتماعهم التالي في عام 2016، بهدف «التقدم والبناء على هذه الشراكة الاستراتيجية» التي تم الإعلان عنها في ختام القمة بين دول مجلس التعاون الخليجي الست والولاياتالمتحدة، خاصة وأن هذه القمة بنت بشكل وآخر على مؤسسة سابقة هي منتدى التعاون الاستراتيجي بين الولاياتالمتحدة ومجلس التعاون. وقد أوضح البيان المشترك أن النقطة الأولى على جدول الأعمال تمثلت في بحث القادة تأسيس هذه الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين الولاياتالمتحدة ومجلس التعاون، وذلك «لتعزيز عملهم الهادف إلى تحسين التعاون الدفاعي والأمني، خاصة في ما يتعلق بسرعة الإمداد بالأسلحة، ومكافحة الإرهاب، والأمن البحري، والأمن الإلكتروني، والدفاع ضد الصواريخ الباليستية». وأعتقد في ضوء ذلك جازما بأن سيدي صاحب السمو ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة كان يتحدث بلسان كل دول الخليج حين أكد في مداخلته أثناء مناقشات القمة على مسألتين في غاية الأهمية مرتبطتين بما يفترض أن تعنيه هذه الشراكة الاستراتيجية بالنسبة إلينا في الخليج على المديين المتوسط وطويل الأمد. تتمثل المسألة الأولى في تأكيد سموه أن الولاياتالمتحدة شريك استراتيجي أساسي لدول مجلس التعاون الخليجي، ولها دور حيوي في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة بما تملكه من ثقل عالمي ودور محوري، وبما يربطنا معها من مصالح مشتركة وعلاقات تعاون وشراكة وثيقة. مشيراً سموه إلى ان هذه المرحلة التاريخية المهمة تتطلب منا جميعاً في دول الخليج، وبالتعاون مع أصدقائنا، وضع إطار تعاون يخدم المصالح المتبادلة ويؤسس لمرحلة جديدة تأخذ في الاعتبارات التهديدات والتحديات الجديدة. بينما تتمثل المسألة الثانية في تشديد سموه على الموقف الخليجي بضرورة إبقاء منطقة الخليج العربي بما لها من أهمية استراتيجية للعالم أجمع بمنأى عن أية أخطار أو مهددات أمنية واستراتيجية محتملة، خاصة في حال عدم ارتكاز الاتفاق النووي النهائي (بين الدول الكبرى وإيران) على معايير واضحة والتزام ما يعنيه ذلك من توافر ضمانات قانونية وتعهدات دولية كافية تكبح الطموحات النووية في المنطقة والهيمنة الاقليمية، وتحول دون انتشار تسلح نووي، معرباً سموه عن ثقته بتفهم الإدارة الأميركية بواعث القلق والمخاوف المشروعة لدى دول «مجلس التعاون لدول الخليج العربية» وشعوبها حيال هذه الأخطار الاستراتيجية المحتملة، لاسيما في ظل تفاقم عوامل الاضطراب والنزاعات الطائفية والمذهبية وانتشار جماعات الإرهاب وتنظيماته. تنبع أهمية تأكيدات سموه الذي ترأس وفد دولة الإمارات إلى القمة من فهم إماراتي عميق لطبيعة التحديات التي تواجه دول المنطقة، ليس فقط في الملف النووي الإيراني، ولكن في مجمل القضايا الناتجة عن السياسة الخارجية الإيرانية، في جانب، وبقية التحديات الأمنية والسياسية والعسكرية وحتى الاقتصادية في جانب آخر. ومن يقرأ البيان الختامي بتمعن يستطيع أن يلاحظ أن نتائج القمة تناولت بناء مواقف مشتركة بين الطرفين الحليفين (الخليج وأميركا) من جملة من القضايا الحساسة لا تبدأ عند القضية الفلسطينية، بما في ذلك تجديد الدعم لمبادرة السلام العربية وإعادة التعهد بإعمار غزة مثلاً، ولا تنتهي عند المسألتين اللبنانية والليبية. بالطبع كان النقاش الرئيس في القمة يتمحور حول التزامات أميركا تجاه حلفائها الخليجيين في مفاوضاتها مع الجانب الإيراني وبما يضمن أمن وسلامة الخليج العربي، فلم يعد مقبولاً أن يكون تركيز الأميركيين هو على تلبية حاجات حليف واحد (إسرائيل) وتجاهل الاحتياجات المشروعة لستة حلفاء (الخليج). ودعوني أذكر هنا أنه إذا كانت قمة كامب ديفيد مطلباً أوباماويا في مرحلة الرئيس المقيّد (آخر سنتين من دورته الثانية مع كونغرس معارض) لإثبات قوته ولترك انطباع إيجابي عن إرثه السياسي في العلاقات الخارجية، إلا أن إحدى أهم نتائجها هنا هو تقديم التزام أميركي رسمي (عبر البيان المشترك) بثلاثة أمور جوهرية، هي: أ. إعادة التأكيد على سياسة الولاياتالمتحدة باستخدام كافة عناصر القوة لحماية مصالحنا الرئيسة المشتركة في منطقة الخليج، وردع ومواجهة أي عدوان خارجي ضد «حلفائها وشركائها»، كما فعلت في حرب الخليج، واعتبار هذا الالتزام أمراً لا يقبل التشكيك. ب. التأكيد على أن اتفاقاً شاملاً يتيح الرقابة والتحقق ويبدد كافة المخاوف الإقليمية والدولية بشأن برنامج إيران النووي سيخدم المصالح الأمنية لدول مجلس التعاون والولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي على حد سواء. ت. الاتفاق على أن الولاياتالمتحدة ودول مجلس التعاون تعارض وستعمل معاً للتصدي لأي أنشطة إيرانية تزعزع الاستقرار في المنطقة. لكن الملفات الإقليمية لم تكن غائبة على طاولة النقاش رغم ما يوجد حولها من تفاهمات. فقد مثلت الحالة اليمنية ومكافحة الإرهاب نموذجين مهمين، ليس فقط للتفاهمات السياسية، وإنما للتنسيق الأمني والعسكري والاستراتيجي بين الطرفين الحليفين. وفي رأيي فإن هذه النجاحات يمكن البناء عليها لتعزيز مستويات التعاون المستقبلية في مختلف القضايا. فالتباين السابق في الآراء حول أوضاع سوريا على سبيل المثال يبدو أنه تم التخفيف منه لصالح تفاهم على أهمية السعي المشترك نحو التوصل إلى حل سياسي مستدام في سوريا ينهي الحرب ويؤسس لحكومة شاملة تحمي الأقليات العرقية والدينية وتحافظ على مؤسسات الدولة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة التفاهم المتبادل بين الطرفين حول عمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل، فإنني أتوقع شخصياً أن يكون الطرف الأميركي قادراً على تقبل ودعم أي إجراءات من الممكن أن تقوم بها دول خليجية لتخفيف المعاناة الإنسانية في سوريا. لكن الفائدة الأهم من ذلك كله هي أن دول الخليج سجلت مكتسبات أساسية تمثل اعترافاً دولياً (وليس أميركياً فقط) بأهمية قرارها المشترك خاصة بعد تجربتها الناجحة في عاصفة الحزم، وإقراراً أمريكياً بأن أي اتفاقيات مع أطراق إقليمية لا بد أن تراعي مصالح دول الخليج وأمنها واستقرارها الجماعي، هذا بالإضافة إلى إضفاء المشروعية على المبادرات التي تقوم بها دول الخليج من جانب واحد لحماية أمنها الإقليمي خاصة إذا تطلب ذلك القيام بأعمال عسكرية خارج حدود دول المجلس. إذن، هنالك الكثير من النتائج التي صبت في صالحنا كدول خليجية، ومع أن التحالف مع الأميركان هو تحالف مصالح استراتيجي قديم، إلا أن هذه القمة أعطته دفعة جديدة وبعداً منطقياً مختلفاً. دعونا نتمنى أن نبني على هذا النجاح بحيث نستفيد منه لأقصى حد، ونقوم من ثم بتعظيمه والزيادة عليه في قمة العام المقبل 2016. [email protected]