إن أقل ما يمكن قوله حول قمة كامب ديفيد التي عقدت خلال 13-14 مايو 2015م انها قمة تعزيز العلاقات الاستراتيجية الخليجية - الأميركية ليكون الرابح منها الطرفان الخليجي والأميركي. مصدر هذا الربح يتمثل في: 1) أن دول الخليج العربي أثبتت للجميع دولاً ورأيا عاما أنها قادرة على توظيف إمكاناتها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية لخدمة مصالحها متعددة الجوانب والمجالات. 2) أن الولاياتالمتحدة استطاعت أن ثبت بأنها محل ومكان للثقة بها كحليف استراتيجي يمكن الاعتماد عليه إذا ما دعت الحاجة، مما يعني تعزيزاً لمكانتها العالمية. وإن مما يعزز النقطتين السابقتين، ما جاء في تصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما في ختام أعمال قمة كامب ديفيد حيث جاء على عدة نقاط تعتبر غاية في الأهمية بالنسبة لدول الخليج العربي بشكل خاص وللسياسة الدولية في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام. ومن هذه النقاط التي يمكن الإشارة إليها: أولاً: نجاح لقاء قمة كامب ديفيد. إن أهم نقطة في الاجتماعات على مستوى القمم ان توصف بأنها قمة ناجحة مما يعني أن هناك نقاطا مهمة تم التوصل إليها والاتفاق عليها. ومما يثبت ذلك ما جاء نصاً في تصريح الرئيس أوباما بأنه وصف اللقاء ب "الاجتماع الممتاز". هذه الكلمة تعني أن العلاقات الاستراتيجية التاريخية بين دول الخليج والولاياتالمتحدة ستزداد قوة ومتانة في المستقبل. أيضا هناك مؤشر آخر مهم وهو أن مستقبل هذه العلاقات لن يقف عند حدود الماضي، وإنما ستكون هناك عوامل وعناصر تقوي من هذه العلاقات وتزيدها متانة في مجالات مختلفة. وبالإضافة لذلك، لعل في قول الرئيس أوباما ردا على الأصوات التي شككت في مستقبل العلاقات الخليجية - الأميركية والتي ادعت بأنها في تراجع كبير. فالرئيس أوباما يريد القول بأن العلاقات الاستراتيجية التاريخية ستكون أقوى في المستقبل وليس كما يعتقد البعض، وخاصة الذين يتمنوا تراجع العلاقات لأهداف غير معلومة. ولعل من الأهمية القول بأن الرئيس أوباما يرد على الأصوات التي ادعت بأن عدم مشاركة بعض قادة دول مجلس التعاون بشكل شخصي يعني عدم ثقة بالسياسة الأميركية، بأن ذلك غير صحيح وبأن من حضر لقاء القمة يمثل بشكل مباشر دولته بصفته ممثلاً شخصياً لقادة الدول التي أتوا منها. لذلك فإن مستوى التمثيل السياسي للدول لا يعني تراجع العلاقات الاستراتيجية بين دول الخليج العربي والولاياتالمتحدة الأميركية. ثانياً: توثيق العلاقات الاستراتيجية من خلال الأمن المشترك. في رد مباشر على من ادعى بأن الولاياتالمتحدة ستتخلى عن شركائها، قال الرئيس أوباما "كنت واضحاً للغاية في أن الولاياتالمتحدة ستقف إلى جوار شركائنا في مجلس التعاون الخليجي ضد الهجمات الخارجية." وأضاف بأنه "في حال أي عدوان أو تهديد سنكون على استعداد للتباحث مع شركائنا الخليجيين حول الخطوات التي نقوم بها لمنع أي عدوان خارجي." وللتأكيد على مبدأ السياسة الخارجية الأميركية قال بأن الولاياتالمتحدة الأميركية "تلتزم بتعهداتها" وبأنها ستعمل مع دول الخليج العربي على زيادة "تعاوننا الأمني العالي المستوى." فعندما يصدر هذا التعبير عن الرئيس الأميركي فإنه يعتبر بمثابة الحلف الاستراتيجي الذي يأتي على مستويين رئيسين. المستوى الأول يتمثل في الحلف الدفاعي وهو تعهد الولاياتالمتحدة بالدخول في أي حرب مفروضة على دول الخليج العربي على اعتبار أن أي اعتداء على دول الخليج العربي هو اعتداء مباشر على الولاياتالمتحدة الأميركية. وهذا النوع يشابه إلى حدٍ كبير حلف شمال الأطلسي "الناتو" والذي يضم ثماني وعشرين دولة تتعهد جميعها بالدخول في حرب في حال حدوث اعتداء على أي عضو في الحلف. ولكن الفرق بين تعهد الرئيس أوباما وبين حلف الناتو، أن تعهد الرئيس أوباما لم يوثق كتابياً حتى الآن، بينما حلف الناتو بدأ موثقاً وما زال الانضمام له قائما. أما المستوى الثاني من الحلف الاستراتيجي فيعد قريباً من الحلف الهجومي في جوانب ومجالات يمكن تحديدها والاتفاق عليها خاصة في مجال تعزيز الأمن والسلم والاستقرار في منطقة الخليج العربي بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام. ومن الأهمية القول اننا نتحدث عن أقوال شفهية غير مكتوبة سواءً في مجال الحلف الدفاعي أو مجال وجوانب الحلف الهجومي. ثالثاً: العمل على كسب احترام دول مجلس التعاون كحلفاء الولاياتالمتحدة. لقد حرص الرئيس الأميركي باراك أوباما على إظهار أكبر قدر من الاحترام والتقدير لدول مجلس التعاون عندما قدم شرحاً عن النقاط الرئيسية للاتفاق الأولي الذي تم التوصل له فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني وتبع ذلك بقوله "لا يمكنني أن أطلب من قادة الخليج، مثلما لا يمكنني الطلب من الكونغرس الموافقة على اتفاق لم يتم التوصل إليه بعد." وفي هذه الكلمات تقدير كبير لما أبدته دول مجلس التعاون من تخوف حول برنامج إيران النووي من أنه للأغراض العسكرية. وهنا حرص الرئيس أوباما بالقول إن مخاوف دول مجلس التعاون منطقية ومحل اعتبار السياسة الأميركية، وبأن هذه المخاوف كذلك تقلق الولاياتالمتحدة مما جعل الكونغرس الأميركي يبدي تحفظه على الاتفاق الاولي. ولعل في هذا التصرف الأميركي محاولة لتوضيح ما تم التوصل إليه بشكل مباشر في الاتفاق الأولي للبرنامج النووي الإيراني ومعرف التحفظات والمخاوف وأخذها في عين الاعتبار قبل التوصل لاتفاق نهائي في نهاية شهر يونيو 2015م. وفي هذا كما هو احترام للكونجرس والرأي العام الأميركي، هو احترام أيضا لحلفاء الولاياتالمتحدة ممثلين في دول مجلس التعاون. رابعاً: تعزيز قدرات وإمكانات دول مجلس التعاون العسكرية والأمنية. من منطلق مبدأ تعزيز الثقة وفرض السلام في منطقة الخليج العربي، حرص الرئيس أوباما على التعهد بأن الولاياتالمتحدة ستعمل على تعزيز قدرات وإمكانات دول مجلس التعاون العسكرية والأمنية، ومن ذلك قوله "نريد أن نتأكد من قدرة حلفائنا في التعامل مع إيران من موقع ثقة وقوة". ومن الاهمية القول بأن هذا القول لا يعني أن دول مجلس التعاون لا تملك الإمكانات والقدرات العسكرية والامنية، وإنما يهدف الرئيس أوباما للقول بأن هذه الامكانات ستكون متقدمة بشكل يجعل دول مجلس التعاون تملك قدرات وإمكانات نوعية تجعل ميزان القوى في منطقة الخليج العربي على أقل تقدير تكون لصالح دول مجلس التعاون إن لم تكن متكافئة مع الطرف الآخر. خامساً: العمل المشترك في مواجهة ومكافحة الإرهاب. على اعتبار أن ظاهرة التطرف والإرهاب تؤثر بشكل سلبي على جميع دول واقاليم العالم بغض النظر عن اماكن تواجدها، تعهدت الولاياتالمتحدة بالوقوف مع دول مجلس التعاون في مواجهة ومحاربة الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية مثل تنظيم القاعدة وتنظيم داعش وغيرها من تنظيمات وجماعات من يدعمها. وفي سبيل تعزيز هذا المبدأ، حرص الرئيس أوباما على تأكيد التعاون بين دول مجلس التعاون والولاياتالمتحدة في سبيل "مكافحة الإرهاب ومنع الإرهاب الذي يأتي من دول مثل إيران وتنظيم داعش." ولعله من الأهمية القول إن إيمان الرئيس أوباما بأن الدولة الإيرانية مصدر للتطرف والإرهاب سواءً برعايتها أو بدعمها للجماعات والتنظيمات والاحزاب المتطرفة والإرهابية في منطقة الشرق الأوسط وفي غيرها من مناطق نجاح كبير لسياسة دول مجلس التعاون التي استطاعت توضيح سياسة الدولة الإيرانية للولايات المتحدة التي كانت تتهم الدول الإسلامية بشكل مطلق بأنها سبب التطرف والإرهاب كما حدث خلال العقدين الماضيين. وفي الوقت الذي تضمن تصريح الرئيس أوباما نقاطاً تعزز العلاقات الاستراتيجية الخليجية - الاميركية، نجد أن رؤيته لمستقبل منطقة الخليج العربي تقوم على تعزيز مبدأ السلام والابتعاد قدر الامكان عن سياسة المواجهة العسكرية. هذا المبدأ الذي يؤمن به الرئيس أوباما جاء مباشراً بتوضيح أن لقاء قمة كامب ديفيد لم يكن ضد الدولة الإيرانية بشكل مباشر ولا ضد أي دولة أخرى، وإنما كان هدفه تعزيز العلاقات الاستراتيجية الخليجية - الأميركية. ولتوضيح ذلك قال الرئيس أوباما بأنه "سيكون من الضروري التوصل إلى حوار أوسع مع إيران، تشمل دول الخليج وإيران"، وأضاف بأن الدعم العسكري والأمني لدول مجلس التعاون هدفه أن "يكون هذا الحوار من موقع ثقة وقوة" لدول مجلس التعاون. وفي هذا القول معنى واضح بأن الولاياتالمتحدة لن تقوم بحرب مهما كانت الأسباب إلا إذا كان هناك اعتداء على دول مجلس التعاون فإنها ستدخل الحرب تطبيقاً لتعهداتها ولكنها لن تبادر بالهجوم. ولكن هل يفهم هذا القول بأن الولاياتالمتحدة لن تدخل حرب لمنع الدولة الإيرانية من الحصول على السلاح النووي مستقبلاً؟ لعل الإجابة الصريحة التي جاءت على لسان الرئيس أوباما تقول نعم. فالولاياتالمتحدة لن تتدخل عسكرياً ضد الدولة الإيرانية في حال قررت الحصول على السلاح النووي لأن هذا السلاح النووي ليس هماً مباشرا للولايات المتحدة ولن يكون هماً لحلفائها في منطقة الخليج العربي لأن هناك ملفات أهم حسبما يرى الرئيس الأميركي الذي قال "قضينا وقتاً طويلاً نناقش إيران والعمل على منع طهران من الحصول على سلاح نووي"، ولكن "في حال وصلنا إلى اتفاق نووي أم لا مع إيران، ستكون أمامنا تحديات في التعامل مع إيران بما في ذلك منعها من زعزعة استقرار المنقطة". وللتأكيد على أهمية الملفات الأخرى غير البرنامج النووي الإيراني وإيمانه العميق بها، أضاف الرئيس أوباما بأن "غالبية الاعمال المزعزعة للاستقرار في المنطقة التي تقوم بها إيران هي قليلة التكلفة والتقنيات." ولعل الرئيس أوباما يريد القول بأن التوصل لاتفاق نووي ورفع العقوبات الاقتصادية لن يؤثر بشكل مباشر على سلوك إيران لأن ما تقوم به لا يحتاج لأموال كثيرة وتقنيات متقدمة. وإذا ما قلنا بأن الرئيس أوباما يؤمن بأن العلاقات الدولية تقوم على حسن النوايا وبأن حسن النوايا يؤدي لنتائج إيجابية، إلا أن واقع السياسة الدولية يختلف تماماً عن الأمنيات ولا يقوم على حسن النوايا. ففي الوقت الذي أوضح الرئيس أوباما بأن لقاء قمة كامب ديفيد ليس موجها مباشرة للدولة الإيرانية بقوله "هذه الجهود ليست لتهميش إيران، فنحن نرحب بإيران تبني الثقة وتنهي الخلافات بالمنطقة،" وأضاف بأن "إنهاء التوتر في المنطقة سيتطلب حواراً أوسع يشمل الخليج وإيران"، نجد أن هذه الرسالة المسالمة ستفهمها الدولة الإيرانية بأنها رسالة ضعف وتردد من الرئيس أوباما وليست رسالة سلام وبناء. نقول ذلك من معرفتنا بتصرفات الدولة الإيرانية خلال الخمسة والثلاثين عاماً الماضية. وأخيراً يمكن القول إن قمة كامب ديفيد وما نتج عنها يمثل تقدماً مهماً في العلاقات الاستراتيجية الخليجية - الأميركية. فما تم التأسيس له من علاقات استراتيجية خلال العقود الماضية، يتم إعادة التأكيد عليه ولكن بأسس أكثر تقدماً وخاصة من الناحية العسكرية والأمنية. ولعل من الاهمية القول إنه في الوقت الذي تستمر فيه التوترات السياسية والأمنية في منطقة الشرق الاوسط، إلا أن نوعية هذه التوترات والتهديدات اختلفت وتنوعت مما يتطلب التعامل معها بأساليب وأدوات مختلفة. ومن جهة اخرى، أحسنت دول مجلس التعاون منذ البداية في اختيار الحليف الاستراتيجي الذي يمكنها الاستفادة منه سياسياً واقتصاديا وامنياً وتنموياً وفي غيرها من المجالات، وما زالت تحسن الاختيار في تعزيز التعامل مع هذا الحليف الاستراتيجي. هذا لا يعني إهمال مناطق العالم الأخرى وتنويع الشراكات، ولكن هذا التنويع قد يكون مفيداً فقط في العلاقات السياسية والاقتصادية التي تأتي في إطارها الدبلوماسي. ونختم بالقول اننا نتطلع في دول مجلس التعاون للقاء القمة الخليجي - الأميركي الذي سيعقد في العام المقبل في احدى دول مجلس التعاون لنرى ثمرة لقاء قمة كامب ديفيد 2015م والتي نأمل أن تكون نتائجها بناء قدرات وإمكانات دول مجلس التعاون على المستوى التنموي وعلى المستوى الأمني والعسكري شاهدة على نجاحها. فبناء مجتمعاتنا الخليجية وتعزيز قدراتها يعزز موقعنا اقليمياً ودوليا. * أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية - جامعة الملك سعود