مكة أون لاين - السعودية في المجتمعات المتقدمة التي تعيش في ظل الديمقراطية، يوجد يوم في العام يسمى يوم الدستور تحتفل به المؤسسات ويكون يوما لتذكير الشعب بالتزامه القانوني الأعلى، وبحقوقه وبواجباته. في هذه المجتمعات المتقدمة تطور العقل السياسي باتجاه أهمية الدستور (أي العقد القانوني الأعلى في المجتمع) في تحجيم السلطة المطلقة وللحيلولة دون وقوع المجتمع ثانية تحت حكم الاستبداد، النظام السياسي الذي جربته هذه المجتمعات وأثبت فشله وخطره على المجتمع. الدستور هو إذن صيغة التعاقد العليا بين مكونات المجتمع (الوطن)، وهو بذلك أشبه بعقد شراكة وتعاون نحو مصلحة عليا معرّفة أخلاقيا وقانونيا ومتفق عليها. ولذلك فالدستور في أي مجتمع (لا يوجد مجتمع معاصر دون دستور، هذا أمر يعني أن الدستور من أسس استقرار أي مجتمع)، يحمل معنيين: المعنى القانوني بوصفه العقد الأعلى بين المواطنين، وبينهم وبين السلطة في المجتمع، والمعنى الأخلاقي بوصفه ملخص الاتفاق الأخلاقي للجيل الذي يضعه. في حالات كثيرة، خاصة في المجتمعات المتقدمة، اكتسب الدستور معنى العراقة بصموده وإثبات صلاحيته على مر الأجيال. يمكن القول إن كل مجتمع يحتاج إلى دستور، لأن للدستور وظيفة يكتب لأجلها. من وظائف الدستور أنه يعرّف السلطة أو (السلطات) في المجتمع ويمنحها الشرعية والمسؤولية للقيام بوظيفتها. هذا يعني أن مؤسسات الدولة مثل الشرطة تستمد شرعيتها وتنفذ إرادة الشعب التي يعرّفها نص الدستور. وظيفة الشرطة تأمين المجتمع والقبض على اللصوص دون أن يحتج الناس، لأن هذه هي إرادة الناس. لا يمكن مثلا أن ترى احتجاجات في مجتمع متقدم لإطلاق سراح المدانين، هم خرجوا على الإجماع القانوني والأخلاقي في المجتمع، وهذا الإجماع يريد من الشرطة أن تقوم بهذا الواجب. فيما يتعلق بالأفراد في المجتمع فإن للدستور وظيفتين تجاههم: فهو يحدد واجباتهم بوصفهم مواطنين متساوين، ويحمي حقوقهم وحرياتهم المنصوص عليها. في يوم الدستور في أي مجتمع متقدم نقرأ ونطالع في وسائل الإعلام تذكيرا بالأجداد الذين أرسوا القيم والتقاليد التي يحميها الدستور، وتذكيرا أيضا بأهمية الدستور وبحقوق وواجبات المواطنين تجاه بعضهم وتجاه وطنهم ورسالتهم إلى العالم. وأخيرا، بوصفه العقد القانوني الأعلى فإن الدستور يحدد الإطار الذي في داخله تكون القوانين مقبولة، ويجب أن تكون كل الأنظمة واللوائح متوافقة معه.