النهار اللبنانية ليس ثمة خطأ مطبعي في العنوان، بل مجرّد استبدال للهمزة بالمَدّة فقط، ونحن على مرمى أيام من يوم المرأة العالمي في 8 آذار (و14 منه أيضا إذا شئتم، فالزمن زمن حوار). أما التصرّف بما فوق الألف في العنوان، فللخروج من المألوف إلى المأمول، بل لمحاولة وضع النقاط على الحروف، علّ المكتوب يُقرأ من عنوانه، وبمرآة عاكسة لواقعٍ مأزوم وكذبٍ موصوف. صغاراً، سمعنا وقرأنا كلاماً منسوباً إلى نابليون، وفيه أن "المرأة التي تهزّ السرير بيسارها، تهز العالم بيمينها". جميل. ثم كبر من في السرير، وإذا به رجل. جميل. ثم تكبّر وبطش واستحال سلطاناً. غير جميل. وأما الهزّ، فاقتصر على البدن... ونكر صاحبنا الجميل. جميل أمّ ربّت أطفالها صغاراً فاستمروا أحياناً كثيرة صغاراً في عقولهم وقلوبهم وعواطفهم ونبلهم وربما أيضاً في سياساتهم... هذه العظيمة التي هزّت السرير يوماً، ماذا تراها تقول في سياسيين وقادة رأي يصرّون على حرمان أمهاتهم من حقوقهن؟ ماذا تراها تستطيع إزاء عنف جبان؟ كيف تراها تنظر إلى أبنائها وقد تحوّلوا إلى أشباه رجال ينكرون لها ولزوجاتهم ولشقيقاتهم ولبناتهم ولعشيقاتهم أيضاً، ينكرون لهنّ جميعاً حقّهن في المدى الإنساني، حقّهنّ في الحياة وحرياتها وفي الزواج ومفاعيله وفي الجنسية ورابطة الدم وفي العمل وحظوظه السوية وفي المساواة عنواناً مرفوعاً وواقعاً مدفوعاً؟ في يومها العالمي، تعالوا نذهب مع المرأة إلى المرآة. فالأخيرة لا تكذب. وإذا ما ظهر فيها عيب، فهو عاكس لما فينا. تعالوا ننظر إلى وجوهنا الصفراء المخجلة عندما الرجولة تعني عنفاً. تعالوا ننظر إلى وجوهنا الغبية عندما التمييز يعني خياراً. تعالوا ننظر إلى وجوهنا العاجزة عندما التشريع يعني ظلماً. وتعالوا ننظر إلى وجوههنّ وقد تغيّرت ملامحها. كيف للنعامة فينا ألاّ ترى، ولو رأسها في الرمل تهرّباً وخجلاً، كيف لها ألا ترى نساء رائدات وكفاءات عاليات وقلوبا تخفق طموحاً وتطويراً وحلماً برسم الأيام الآتية؟ لماذا نصف البشر عندنا بنصف حقوق؟ وحتى متى تستمر حوّاء تسدّد فاتورة التفاحة اللعينة؟ مجتمعنا مضروب بمرض انفصام الشخصية على مدى واسع وهو مضروب أيضاً ببعض ممن يتولون حكمنا، بل الحكم علينا، بأفكارهم الموروثة وقرونهم الوسطى. ولو نظر هؤلاء إلى المرآة، لرأوا فظاعة استمرارهم في إقصاء النساء عن الصورة. المرآة لا تكذب... تعالوا نقرأ في تقرير منظمة الشفافية الدولية كيف أن الدول الأقل فساداً هي تلك التي تشارك فيها المرأة في الحكم أو هي تتولاّه. تعالوا نعبر في مطار رفيق الحريري الدولي أكشاك تدقيق الجوازات، حيث سيّدات الأمن العام يعطين أبهى أشكال الرصانة وحسن التدبير. تعالوا نذهب إلى تجمّع "رجال الأعمال"، حيث نساء يحسنّ الأعمال وبجدارة (وهنا دعوة لتعديل تسمية التجمّع). تعالوا إلى بيوتنا المتواضعة المتربعة قصوراً على روابينا، حيث أمهات الفقر يغنين الفلذات تربية وتحصيناً وعطفاً وبركة. تعالوا إلى خيمة الإسكوا، حيث "أمهات الانتظار" وقد جفّت الدموع الحارقة ولا جواب! تعالوا نشعر بغضب لبنانيات يمنع القانون عنهنّ رابطة الدم فيبقى أولاد الدم اللبناني أجانب! تعالوا إلى اعتصام أهالي العسكريين الأبطال حيث الأم والزوجة والشقيقة والإبنة في صلاة ممزوجة بالخوف والاعتزاز! وتعالوا إلى محطات ومحطات يستحيل تعدادها هنا، وكلّها تُسقط التمييز وترفع المساواة... تعالوا نلغي يوم المرأة العالمي ونحوّله يوما عالمياً للمرآة، نتجرأ فيه وننظر إلى عاكسة واقعنا المخجل المخزي، ونحوّل أيام المرأة، لا يومها، إلى أيام السنة على مدارها، نقرّ فيها بأن الإنسان هو الغاية وجنسه مجرّد تفصيل بيولوجي لا يذكر. وحتى ذلك الحين، فلننظر إلى المرآة... ولنخجل! @ZiyadBaroud