مكة أون لاين - السعودية المعضلة الأخلاقية بشكل عام تنشأ حين يجد الفرد نفسه في موقف تنحصر فيه خيارات القرار (السلوك) بما يجعل الحكم الأخلاقي على السلوك سلبيا أيا يكن الاختيار ضمن ما هو متاح في الموقف «المعضلة». وهذه المعضلات معروفة بكثرة في دراسة سلوك الأفراد (والمجتمع بشكل عام) في المجتمعات المتقدمة أخلاقيا. إحدى أشهر هذه المعضلات في دراسة الأخلاق «معضلة هاينز». تقول المعضلة إن زوجة هاينز مريضة وقد تموت، والصيدلي يبيع دواء حالتها بأضعاف سعر تكلفة إنتاجه، وهو الوحيد الذي لديه الدواء ولم يستطع هاينز جمع المبلغ المطلوب لإنقاذ زوجته. ماذا يفعل هاينز، يترك زوجته تموت أم يسرق الدواء؟ لورنس كولبيرج (1927م -1987م، عالم نفس أمريكي، يصنّف ضمن أعظم 30 عالم نفس في القرن العشرين) وحصيلة لأبحاثه وزملائه حول الحكم الأخلاقي باستخدام منهجيات من ضمنها عرض معضلة هاينز الأخلاقية ودراسة إجابات الأفراد حيالها طوّر النظرية المعروفة باسم «نظرية التطور الأخلاقي». في النهاية ليس مهما ما هو قرارك في حالة كنت أنت هاينز (لاحظ أن هذه معضلة نظرية يقترب احتمال حدوثها في المجتمعات المتقدمة من صفر) فإن ما كان مهما بالنسبة للباحثين هو تفسيرك وتبريرك للقرار. تقسّم نظرية كولبيرج التطور الأخلاقي في ثلاثة مستويات رئيسية:1- (2-7 سنوات) يتمحور الحكم الأخلاقي حول الراحة الشخصية عن طريق تجنب العقوبة والحصول على مصلحة، أو حول تحقيق الرغبات الشخصية. 2- (7-12 سنة) وتتمحور حول محاولة الظهور بمظهر الشاب الجيد وكسب الاعتراف والإعجاب عبر التزام القيم المفروضة. 3- مرحلة البلوغ حيث يتمحور السلوك حول المبادئ الأخلاقية المتأسسة على الصالح العام والعقد الاجتماعي والمبادئ الأخلاقية الكونية (لا تكذب، لا تسرق...إلخ). وهذه المستويات تنطبق على الأفراد كما على المجتمعات. وصار بوسعنا أن نقول «موقف متخلف أخلاقيا» أو «موقف متقدم أخلاقيا». ماذا لو عرضنا معضلة هاينز على السعوديين فردا فردا، وقمنا بكل ما يستطيع العلم فعله وضمن حدود المنهج العلمي الممكنة، كيف كانت النتيجة ستكون؟ في أي مرحلة من مراحل التطور الأخلاقي يعيش مجتمعنا؟ من الملاحظات الطريفة في مجتمعنا أن السلوك يبرر غالبا بظروف موضوعية «قاهرة». حينما تسأل تاجرا «فاسدا» سيقول لك «المجتمع كله فاسد»، و«الوضع يحدك». وحينما تسأل موظفا صغيرا «فاسدا» سيقول لك «إذا كان رب البيت..» و «الذي لا يستغل الفرصة غبي»!