مكة أون لاين - السعودية تتضمن الحرية مسؤولية الفرد (الفاعل العقلاني في المجتمع) المؤهل قانونيا ليكون مسؤولا (لاحظ أن الأطفال تحت مسؤولية الأبوين، بلوغ السن القانونية يعني انتقال المسؤولية من الأبوين للأبناء) على مستويين:- مستوى المسؤولية القانونية: وهذه يتساوى أمامها جميع أفراد المجتمع، كل ما يمنع القانون فعله فأنت مسؤول بمعرفتك للقانون أنه لا يمكنك أنت ولا سواك فعله. من يستغل حريته وذكاءه لممارسة السرقة فالقانون باتفاق الجميع يمنعه ويعاقبه. الحرية تتضمن معرفتك لذلك، ومعرفتك بالتبعات (العقلانية)، ومع ذلك تظل حرا بما يسمح لك بأن «تجرب حظك». المستوى الثاني هو مستوى المسؤوليه الأخلاقية: وهذا يشمل كل ما ينظم علاقات الأفراد فيما بينهم من أعراف، وقيم، وكود اجتماعي (المنظومة الأخلاقية) والذي بموجبه يحدد الناس مواقفهم الأخلاقية من بعض أو تجاه الأحداث فيما لا ينص عليه القانون. علينا هنا أن نلاحظ أمرين هامين: يمكننا أن نعتبر القوانين إجمالا تقوم على نظرة أخلاقية. عندما يكون هناك قانون ضد الفساد الإداري فما الذي يعنيه ذلك؟ يعني ضمن ما يعني أن القانون يحمي المجتمع من أعمال لا أخلاقية قد تمس أفراده مثل استغلال السلطة (يلغي حق تكافؤ الفرص، سؤال العدالة في المجتمع)، الاختلاس (خيانة الأمانة الخ) وبالمثل يمكننا أن ننظر إلى أي قانون آخر. الملاحظة الثانية ملاحظة تاريخية: كثير من القوانين أصبحت قوانين بفضل التطور الأخلاقي للمجتمعات، مثل القوانين التي تمنع الرق (الاتجار بالبشر) والقوانين ضد التمييز (بسبب اللون أو العرق أو الجنس أو الدين) وبغض النظر عن القوانين، فهل تعتبر أنت أيها القارئ الكريم هذه الممارسات، فيما لو كنت في منأى عن أن يطالك قانون ما، ممارسات أخلاقية أم لا؟ هل الفتاة التي وصفت الكابتن طيار نوال هوساوي ب»العبدة» قامت بعمل مقبول وعادي بالنسبة لك أم إنه كان عملا لا أخلاقيا وتصرفا مشينا؟ هل يشرفك أو لا يشرفك أن تكون هذه الفتاة من عائلتك؟ والسؤال المهم: لماذا هذا هو موقفك؟دعونا نضع الأمور بالشكل التبسيطي التالي: القانون هو المرجعية حينما يختلف الناس «أخلاقيا». إذن ماذا عن الممارسات التي لا ينص عليها القانون أو تلك التي ينص عليها لكن ينجح الفرد في الاستدارة بها عن القانون؟ هل تصبح أعمالا أخلاقية ومقبولة؟ دعونا نأخذ مثالين بسيطين:1- الكذب (باستثناء الحنث بالقسم، الكذب بعد القسم الذي تنص القوانين على عقوبة له). هل يمكن أن نعتبر الكذب في الظروف «العادية» تصرفا أخلاقيا أم لا أخلاقيا؟ ولماذا؟ 2- الخيانة الزوجية فيما لا يطاله القانون. هل يمكن أن نعتبر الخيانة الزوجية عملا أخلاقيا أم لا أخلاقيا، ولماذا؟ ولنفكر في مثال من مجتمعنا لا يمكن للقانون أن يطاله. لا تعتبر المرأة في مجتمعنا فردا كامل الأهلية قانونيا أو أخلاقيا، ونعرف أنه لا يسمح قانونا بسكن شخصين من جنس مختلف مع بعضهما إلا بمسوغ علاقة «قانونية» بينهما. لنفترض (وهذا يحدث كثيرا) أن رجلا متزوجا قضى مع «حبيبته» سواء كانت متزوجة هي الأخرى أم لا، بضعة أيام في فندق باستخدام بطاقة العائلة التي تحمل اسم زوجته، والتي لا يمكن لموظف الاستقبال أن يعرف ما إذا كانت هي زوجته أم لا، ولكنه يعتبر أنها كذلك. هل يعتبر هذا عملا أخلاقيا أم لا؟ ولماذا؟ ماذا لو كان هذا الشخص مثقفا أو كاتبا أو رجل دين معروفا؟ هل يعتبر هذا العمل «أكثر» لا أخلاقية، هل هو تصرف «عادي» و»مقبول» أم كيف نصفه، ولماذا؟ اذا ما قبلنا بأن الحرية تتحدد بهذين المستويين، أي المسؤولية القانونية والمسؤولية الأخلاقية، ثم قبلنا بأن مستوى المسؤولية القانونية ثابت (متغير فقط بالاتفاق مثلما رأينا في مثال الرق والتمييز)، يتبقى لدينا مستوى المسؤولية الأخلاقية الذي لا يمكن لأحد أن يجادل بأن بوسعنا أن نفرضه على أحد. إذن نحن أمام سؤال صعب: ما الذي يحدد ما إذا كان تصرف ما أخلاقيا أم لا؟ بشكل آخر، ما الذي يحدد «الحرية الشخصية» التي لا يصبح ما يقع ضمن دائرتها خاضعا للتصنيف القانوني ولا للتصنيف الأخلاقي؟ نتذكر جميعا حينما كانت بعض الأخبار «الاستثنائية» من مجتمعات أخرى (قبل فترة الانفتاح الإعلامي) تسبق في صحفنا بتعبيرات على غرار «في مجتمع حرم من نعمة الإسلام» أو «في مجتمع بلا أخلاق» الخ من هذه التعبيرات التي تملي الحكم الأخلاقي على القارئ. في المقابل يسبق هذا النوع من الأخبار من مجتمعنا بعبارات «في حادثة هزت المجتمع» وما يشابهها كيف يمكن فهم ذلك في سياقاته الاجتماعية والتاريخية؟لا يكون للعمل الأخلاقي، العمل الجيد (كيف نعرفه؟) أي قيمة إذا قام به الفرد وهو مجبر على فعله. لا يكون للصدق قيمة أخلاقية إذا كنت مجبرا عليه وأنت تضمر الكذب والخداع، هل يكون له قيمة؟ هل يعتبر «فضيلة»؟ نردد دائما بأن «الحرية هي أم الفضائل» وبأن المجتمعات التي تتمتع بحرية أكبر تسود فيها قيم الفضيلة، بينما تعاني المجتمعات المنغلقة، أي التي تديرها منظومة أخلاقية أبوية تهتم بصورة الفرد أمام «الأب/ المسيطر»، من الانحلال الأخلاقي والثقافي تماما مثلما تزدهر الأسواق السوداء في النظم الاقتصادية المغلقة، فما الذي يعنيه كل ذلك؟ ثم السؤال الأكثر إيلاما: هل ثمة منظومة أخلاقية في مجتمعنا «تحدد» الفضيلة ونقيضها، ويحدث وفقها الفرز الأخلاقي؟