المثل القائل: «من جرف لدحديرة» هو ما يمكن أن ينطبق على مستويات الخطاب الثقافي والأدبي والتربوي في المملكة، ولن تكون هذه السنة الجديدة 2013م بأفضل من سابقتها ما دام الخطاب متأرجحًا بين عوالم البيروقراطية ومشاكل الفساد وأزمة الأحزاب والشللية، وليس هذا تشاؤمًا لكن النظرة الواقعية تقول بهذا. مع وجود اهتمامات رسمية كثيرة بموضوعات الخطاب الثقافي والعلمي، إلا أن الأمر لا يقتصر على المحطات والمراكز الرسمية، فهي مع ما تقدّمه من نتاج ونشاط إلا أن الجمهور منصرف عنها تمامًا، ولم يشهد الخطاب الثقافي في المملكة تراجعًا من قبل الجمهور على مدى سنين طويلة سوى ما شهده في السنوات الأخيرة، وأتذكّر أن كل التغطيات الصحفية لأي حدثٍ ثقافي لا تنسى أن تضع صورًا لجمهور المتابعين والمشاهدين للندوات والمحاضرات بصيغة: «لقطة لجمهور الحاضرين في الندوة»، ومؤخرًا لا تجرؤ الصحف أن تضع هذه الصور لأنه لا يوجد جمهور أصلًا، سوى بعض المنظمين، والمقرّبين من بعض المسؤولين وأقرباء مَن سيقدّم الندوة أو المحاضرة. إعراض الجماهير عن الخطابات الثقافية الرسمية هو كشف لحالة الإحباط والملل وفقدان الجميل والجديد والمدهش، كما أن الجماهير بدت تتذمر من أشكال التسلط التي يرونها في المنتديات والمراكز والجامعات من قبل مسؤوليها، ذلك التسلط غير المباشر، بمعنى أن أي واحد يستطيع أن يصرّح بأنه غير مجبور لحضور منتديات لم تواكب الحالة الثقافية الحداثية. بطبيعة الأمر فإن إحجام الجماهير الثقافية عن متابعة الخطابات المنبرية المباشرة يُعدّ مشكلة، لكنها ليست مشكلة كبرى إذا عرفنا أن الجمهور الثقافي وجد ضالته في متابعة الخطابات عبر المنصات التفاعلية الجديدة في الانترنت والهواتف وبعض القنوات الفضائية، ولو لم يجد الجمهور فيها جاذبية ودهشة ومعرفة ومحتوى مميزًا لم يقبل عليها، بل إن إعراض الجماهير عن الخطابات الثقافية الرسمية هو كشف لحالة الإحباط والملل وفقدان الجميل والجديد والمدهش، كما أن الجماهير بدت تتذمر من أشكال التسلط التي يرونها في المنتديات والمراكز والجامعات من قبل مسؤوليها، ذلك التسلط غير المباشر، بمعنى أن أي واحدٍ يستطيع أن يصرّح بأنه غير مجبور لحضور منتديات لم تواكب الحالة الثقافية الحداثية التي يمرّ بها العالم اليوم، وليس له دور في صناعة الحدث الثقافي الرسمي. فالطلاب ملّوا من المدارس، والمثقفون ملّوا من المراكز والأندية، والمشاهدون انصرفوا عن متابعة القنوات الرسمية، والشباب يستميتون في تفجير طاقاتهم في ضياع الأوقات في التسكّع والاستراحات والتفحيط وتشجيع الأندية الرياضية بعنصرية مقيتة، والشباب الواعدون عقليًا وفكريًا أضاعوا الرؤية حيال ما يعيشونه من مجتمع التصنيفات والحزبيات واستئثار جشع الواسطة بالمناصب والمهمات لفئةٍ دون أخرى مما يجحف الحق الوطني للآخرين. إن صناعة الحدث الثقافي في المملكة ليس كافيًا أن تتولى زمامها المؤسسات الرسمية وحدها فتحتكرها، بل من الجدير والمهم أن يُشجَّع الشباب لاقتحام الصناعة الثقافية والتفاعلية من خلال فتح تصاريح ميسّرة لإنشاء مراكز للتعليم والتدريب والتنمية، إن التنمية التي ننشدها لأبنائنا وشبابنا ذكورًا وإناثًا تستدعي أن نفتح لهم جوانب كثيرة، والدليل على ذلك أننا نتساءل: لماذا نجد شباب المملكة وبناتها يتميّزون إبداعيًا وتقنيًا ويحصدون جوائز واختراعات وهم في الخارج؟ سؤال كبير.. هل نستوعبه في عامنا الجديد 2013م؟