جاء الرد سريعاً على مطالبة إعلاميين بوضع حد للقذف الإعلامي على صفحات التواصل الاجتماعي، فقد صرح وكيل وزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الثقافية الدولية عبد الرحمن الهزاع أن عقوبة التشهير والقذف على مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك وتويتر" تصل وفق القانون المعمول به في السعودية إلى غرامة بمبلغ 500 ألف ريال (قرابة 134000 دولار)، وأن الإعلام الإلكتروني يُعامل في القانون السعودي معاملة الصحف، وتدخل هذه المطالبة فيما يشبه الصحوة القانونية التي بدأت أول فصولها بين أفراد المجتمع، لكنها ما زالت تقتصر على النخبة. كان لا بد أن يكون هذا القانون عاماً، وليس خاصاً بالإعلاميين، لأن ثقافة القذف والكيد لغرض تشويه السمعة تنتشر في مختلف فعاليات المجتمع، بل إن البعض جعل منها ممارسة مشروعة للضغط على غير المرغوبين بهم في إدارته أو مؤسسته أو شركته الخاصة، وكنت أتمنى أن تتجاوز هذه المطالبات تلك النظرة الفئوية التي تختص فقط بالإعلاميين، وأن تصدر القوانين العامة والبينة لتطبق على الناس أجمعين، وبالتالي تكون رادعاً لمثل هذه الممارسات غير المشروعة. كذلك يجب وضع قانون تفصيلي يشرح للناس تعريف القذف والتهم الكيدية وإساءة السمعة، ويبين عقوباتها بشكل واضح لا لبس فيه، وما يترتب عليه حين يحاول أحدهم استغلال الفراغ القانوني للتلاعب بحقوق وسمعة الآخرين، كذلك أن يتم التفريق بين القول العام غير المحدد بشخصية معينة، وبين أن يُحدد أحد ما قذفه الإعلامي أو غير الإعلامي بشخصية محددة، وألا تُحصر تلك الحقوق بالشخصيات الاعتبارية، فالحقوق يجب أن تكون مكفولة للجميع. أعجبتني كثيراً عبارة “القانون السعودي" في تصريح الوكيل، والتي يجب أن تأخذ مكانتها في التشريعات العامة، على أن يكون هناك مرجعية قانونية لحقوق الناس، ويتم تطبيقها على الناس أجمعين بدون استثناء، ولا أجد في ذلك أي مخالفة لمرجعية الشريعة الإسلامية، بل في ذلك فتح لباب الاجتهاد في الأحكام الجديدة، لأن روح القانون هي التطور، وأن يلبي تطوره حاجات المجتمع، لأن الجريمة تتطور في وتيرة ربما أسرع من تطور القوانين، وإذا توقف تطور القوانين في مواجهة الجريمة ينتشر الفساد، وتُصبح أعراض الناس وأموالهم وحقوقهم في مهب الريح، إذ لا يمكن لقانون شفوي يعتمد على اجتهاد القاضي أن يكون مرجعية قانونية عامة للناس. على سبيل المثال في نظام المرافعات، جاء في اللائحة للمادة رقم (80) ما نصه عن قضايا التشهير والدعاوى الكيدية: “للمدعى عليه المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه من الدعوى ولا يستحقه إلا في حال ثبت كذبها"، ووفقا للوائح رقم (5-6-7-8) للمادة الرابعة من نظام المرافعات يتم تعزير وتأديب مطلق للقاضي فيما يراه من سجن أو جلد أو غرامة أو نحو ذلك، 25-4-1406، وفي ذلك اختلاف منهجي قد يصل لدرجة الانفصام، بين ما نُص عليه من عدم وضوح للعقوبة في نظام المرافعات في القضاء السعودي، وبين ما ورد فيما يُطلق عليه بالقانون السعودي من تحديد واضح لعقوبة القذف والتشهير في قانون المطبوعات في وزارة الإعلام كما صرح به سعادة الوكيل. نحتاج إلى وقفة أشد حزماً ضد القذف والتهم الكيدية، فقد أصبحت مجالاً خصباً للقفز فوق المصالح العامة، والوصول إلى مآرب شخصية بحتة، الغرض منها الكسب الشخصي والضرر بالآخر، وكنت أتمنى أن يصدر هذا القانون ليكون عاماً، وأن يكون القضاء ممثلاً بشرعيته المسؤول أمام المجتمع في الحكم في مثل هذه القضايا...، على أن يتوقف النظر في القضايا من خلال قنوات مختلفة، وإذا اعتقدنا أن القضاء منحاز في قضايا الإعلاميين، لأنه يمثل المرجعية الدينية ويسيطر على قضاته وشحصياته منهج محدد، فيجب إصلاحه وإعادة تأهيله ليكون ممثلاً للمجتمع، على أن يلتزم بمرجعية قانونية موحدة لا يدخل فيها الاجتهاد الشخصي، ولا يؤثر فيها الانحياز الديني أو غير الديني.