في المجتمع المسلم ماذا يعني أن نقول عن شخص إنه ملتزم؟ هل يعني هذا ان الآخرين غير ملتزمين؟ إذا كان المقصود هو الالتزام الديني فإن المسلم (قولاً وفعلاً) سيكون شخصاً ملتزماً في كل شؤون حياته، سيكون ملتزماً في بيته وفي عمله وفي علاقاته مع الآخرين. سيكون ملتزماً في الحقوق والواجبات سيكون ملتزما في كل تصرفاته. سيكون كذلك لأنه مسلم والاسلام يتضمن القيم والمبادئ التي تحث على الالتزام والعمل والانتاج واستثمار الوقت بما هو مفيد. بهذا المفهوم لا ضرورة لاطلاق صفة ملتزم على مسلم دون آخر. إن الالتزام يعني المسؤولية ويعني الاخلاص في أداء الواجبات، ويعني المصداقية في التعاملات الرسمية وغير الرسمية ، كما يعني النزاهة والعمل في إطار من المعايير الاخلاقية. أن أحد الأسباب التي تعيق مسيرة التقدم هو الانشغال بتصنيف الناس بدلاً من الانشغال بقضايا ذات أولوية وأهمية. تلك القضايا المتعلقة بالانتاج والابداع في ميادين التربية والتعليم والصحة والصناعة ..الخ لا تحظى بالاهتمام ولا تحاط بالاثارة كما تفعل قضايا تعليب الناس وتصنيفهم إلى فئات قد تخضع أحياناً لمعايير شكلية كأن نصف أحد الأشخاص بأنه ملتزم أو غير ملتزم بمعيار الشكل والملابس!! وليس بمعيار السلوك. ان الملتزم بالعبادات قد يمارس عادات سلوكية مناقضة لذلك الالتزام كما يفعل من يمارس الغش التجاري او يتعامل بالرشوة وقد يحصل العكس حين يؤدي الإنسان عمله بنزاهة وإخلاص ملتزماً بأخلاقيات العمل المهنية والسلوكية ولكنه يقصر في أداء العبادات. في كلتا الحالتين لا وجود للالتزام مهما كان المظهر الذي يظهر به صاحب السلوك. استتناداً إلى ما سبق فإن إطلاق صفة (ملتزم) على شخص معين لا تعني أنه إنسان يجوز له مالا يجوز لغيره، وأن من حقه مثلاً أن يقف بسيارته في أي مكان، أو أن يتجاوز طابور الانتظار، أو يبحث عن واسطة لكي يستطيع القفز على الأنظمة! الأفضل أن نبتعد عن التصنيف وإطلاق الصفات، وان نحكم على الناس جميعاً بمعايير واحدة بعيداً عن التعميم لأن هناك من يستغل التعميم لمصالح خاصة فيحاول أن يظهر بمظهر تلك الفئة التي يشملها تعميم الصفات الايجابية ليستغل ذلك في سلوكيات خارجة عن القانون، ومخالفة للنظام وقد تصل إلى المستوى المحرم دينياً. إن ما نقوله عن هذا المصطلح يصح أن نقوله عن بقية المصطلحات أو الأوصاف التي ننشغل بها عن القضايا المهمة وأولويات المجتمع بل إنها من المحفزات السلبية لإشعال المناقشات والمجادلات المتسمة بالتوتر والحدة في اللغة، والتطرف في طرح الآراء بما يقود إلى طريق مسدود. المجتمع المنتج بحاجة إلى أفراد منتجين مخلصين صادقين في أقوالهم وأفعالهم وليس بحاجة إلى مسميات او تصنيفات ليس لها أي تأثير إيجابي في مسيرة التقدم. معايير التقييم يجب أن تركز على الأقوال والأفعال وليس الأقوال فقط أو المظهر فقط!!