كل أمة لها رموزها ، وقدواتها ، وقادتها ، و صناع ثقافتها ، وعنوان مجدها ، ومثلها العليا . وأعلى هذه الرموز ، وارفع هذه القدوات ، وأجلها ، وأغلاها ، وأفضلها، وأصدقها لأمتنا هم خير البشر ، الأنبياء المصطفين ، فهم الرمز، وهم القدوة ، وهم القادة ، وهم المثل العليا عليهم الصلاة والسلام جميعاً ، ويأتي بعدهم من الرموز ، والقدوات الصحابة الكرام ، تاج الأمة الإسلامية ورواد نهضتها ، وعنوان مجدها ، ثم بعد هؤلاء تأتي القامات الدينية والرموز السياسية والقدوات الاجتماعية . وكل الأمم تدافع عن رموزها ، وقادتها ولا ترضى أن يمسهم أحد ، أو يتطاول عليهم . وهذا حق ، وفعل محمود ، ولا جدال فيه ، بل إن التنقص من الرموز ، والقيادات بدون سبب أمر مستهجن ، وغير مقبول ، ومخالف للدعوة بالتي هي أحسن ، ويسيء للذوق العام ، وضد الحلم والأدب مع المخالف . ولكن مع كل هذا يوجد في بلادنا من يتطاول ، ويتنقص ، ويتهم ، وقد يكفر بعض رموز ، وقيادات أمته هو، وقد يصل به التنقص ، والسب إلى النيل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا مشاهد بكثرة ، وصوته عالي في الآونة الأخيرة . فهذا حسن فرحان المالكي لا يكل ، ولا يمل من تنقص صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخصوصاً معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، فقد آذانا بسبه والتجني عليه ، ووصفه بالنفاق ، وتغيير الإسلام ، ويقول عنه أنه مات على غير الإسلام . قرأت عنه هذا ، وأكثر من هذا في صفحته بتويتر : يقول حسن فرحان المالكي : ( نعم أهل الشام داخلون في اسم الإسلام ، لكن رأسهم منافق بلا شك ) يقصد أهل الشام على وقت معاوية ، ورأسهم هو الصحابي معاوية يقول عنه ( منافق بلا شك ) . يقول حسن فرحان المالكي : ( هؤلاء حمقى وجد فيهم معاوية والشيطان ضالتهم في هدم الدين بالدين ، وتسخيف محمد بمحمد ، ومحو القرآن بالتفسير والروايات ، مكر تزول منه الجبال ) . يقول حسن فرحان المالكي : ( فالسنة التي وضعها لهم معاوية عبر ولاته ، ورواته ، ووعاظه ، والمحيطين به ، تهدف إلى : تسخيف الله ، تسخيف رسوله ، تسخيف كتابه ، الطعن في أهل البيت ) . يقول حسن فرحان المالكي متهماً معاوية بالتآمر على اغتيال عمر بن الخطاب : ( توليته من أخطاء عمر كان الواجب عزله مبكرا ، وقد هم عمر بعزله لكنه سارع فتآمر مع المغيرة وغلامه أبي لؤلؤة على قتل عمر ، ونجح للأسف ) . يقول حسن فرحان المالكي : ( معاوية ليته كان خمارا فقط . هذا منافق بالنص ، ولعنه الرسول ، ودعا عليه ، وأخبر بمخازيه ، من بغيه ، ودعوته للنار ، وتبديل السنة ) . هذه بعض تغريدات هذا المتطاول على أمير ألمؤمنين معاوية رضي الله عنه ، وقد قال عنه أكثر من ذلك ، وهو لا يكتب لنفسه ، بل يتابعه ، ويقرأ له ، أكثر من خمسة وعشرون ألف قارئ . صحيح أن معاوية رضي الله عنه أخطأ في اتخاذه للملك العضوض ، وأخطأ في حربه لعلي رضي الله عنه وأرضاه ، ونقر ونشهد أن الحق مع علي رضي الله عنه في خلافه مع معاوية ، ونحن في معتقدنا نحب علياً أكثر من حبنا لمعاوية ، وكلاهما صحابيان جليلان لهما سابقة في الإسلام رضي الله عنهما ، بل نحب الحسن والحسين وآل بيته الطيبين الطاهرين أكثر من حبنا لبني أمية جميعاً بدرجات بعيدة . ولكن أن يأتي هذا المتطاول ويصف معاوية بالنفاق وتبديل الإسلام ، وهدم الدين ، وتسخيف الله ، وتسخيف النبي ، ومحو القرآن ، وأن رسول الله لعنه ، وأنه نجح بالتآمر على قتل عمر بن الخطاب . فهذا من الكذب ، والفجور ، والتجني ، والتطاول ، والقول بغير علم ، يجب أن يحاسب عليه ويحاكم ولا يترك يثير العنصرية والطائفية بين المسلمين . ولم يقف المالكي عند هذا الحد في التطاول ، والتجني بل تجاوز ذلك ، وزعم أن مجتمعنا ليس على سنة محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنما على سنة معاوية التي تهدف كما يزعم إلى تسخيف الله ، وتسخيف رسوله ، وتسخيف كتابه ، والطعن في أهل البيت . حيث قال في إحدى تغريداته جواباً لمن دعاه إلى التوبة والعودة إلى السنة : ( سنة من ؟ سنة محمد التي ترفضونها ، أم سنة معاوية التي تحبونها ؟ ) وهذا هو التكفير بعينه ، حين يصف مجتمعنا برفض سنة محمد ، واتباع سنة اخترعها معاوية ، ويتضح التكفير في قوله : ( أن كل الآيات في حق كفار قريش تنطبق على غلاة السلفية تماماً ) . ومع كل هذا فهو يكرس الطائفية ، ويعلي جذوتها ، ويؤجج الفتنة بين المسلمين ، ويؤصل للتطرف ، وذلك حين يذكر ، ويكرر أن سبب العداء مع الشيعة هو حبهم لآل البيت ، حيث يقول : ( هنيئا للشيعة! حق للشيعة يوم القيامة أن يفخروا ، ويقولوا للإمام علي والزهراء : لأجل حبكم اضطهدونا وشردونا واتهموا أعراضنا وأذاقونا العلقم ). ويقول : (هنيئا للشيعة! أليس من حقهم أن يقولوا يوم القيامة: لقد قتلونا واتهمونا في أعراضنا واحتقرونا طوال هذه القرون لأننا نحب آل محمد فقط! ) . تفسير ذلك : أن الخلاف مع الشيعة هو بسبب حبهم لآل البيت . يقول ذلك ليوحي للآخرين أننا نكره آل البيت ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) . أليس هذا الادعاء المكذوب خطر العظيم لا يمكن السكوت عليه ، أليس فيه زرع للكره ، وتأجيج للعداوة ، وإذكاء للطائفية . ولا أحد يظن أنني تكلفت البحث عن هذه التغريدات الوالغة ، وهذه التطرفات الكفرية . كلا . فكل تغريداته من هذا القبيل ، وليس لديه ما يقوله غير ذلك ، وقد تركت الكثير الكثير مما هو أشد تطرفاً من ما نقلته ، فصفحته مليئة بالاعتداء والتجاوز على الصحابة ، وخصوصاً معاوية ، ومليئة بالتكرار والتأكيد على أن الإسلام السني ليس هو الإسلام الحق الذي جاء به محمد ، ويشمل هذا الاتهام جميع المسلمين السنة ، وليس السلفيين فقط . هذا قليل من كثير مما قاله ذلك المتطاول ، وكل همه إسقاط السنة ، والنيل من السلف الصالح ، ولا أدري لماذا هذا السكوت ، وهذا الانحناء أمام هذا التطاول ، وهذا التنقص لرموزنا ، وصحابة رسولنا ، واتهامنا في ديننا ، وعقيدتنا ، والتشكيك في السنة النبوية ممثلة في الأحاديث الصحيحة . أتذكرون حينما تكلم الشيخ العريفي وسب السيستاني ، ونال منه ، وحط من قدره . أتذكرون وقتها كيف هب المدافعون ، والناشطون ، ووسائل الإعلام من فضائيات ، ومنتديات ، وصحف ، وكيف حصلت ضجة كبيرة ، وحملة صاخبة في بلادنا ضد العريفي من أجل أن يلتزم الأدب مع المخالف ، ومن أجل احترام الرموز ، وعدم التطاول على الآخرين . أيضا في مصر هذه الأيام طالبت نيابة أمن الدولة ، الإنتربول الدولى بضبط وإحضار الشيخ وجدى غنيم ، للتحقيق معه فيما نسب إليه من سب وإهانة لزعيم الأقباط شنودة الثالث . الإهانة والسب تستلزم استدعاء الأنتربول الدولي مباشرة ، حماية لرمز من رموز المسيحية . وهذا حق ، فلا يجوز التطاول والإهانة الشخصية بدون سبب . وبالأمس القريب تدخلت دولة الإمارات وأوقفت برنامج المتطاول الآخر أحمد الكبيسي ، الذي نال من سيرة معاوية بدون وجه حق ، وبدون مراعاة لشعور المسلمين ، واحترام عقائدهم . وهناك في فرنسا بلد الحرية والديموقراطية ، تم منع العلماء والمفكرين من دخول أراضيها بحجة المحافظة على القيم والثقافة الفرنسية . فما بالنا نحن في بلادنا لا نرى ذلك الحماس ، ولا ذلك الدفاع عن رموز المسلمين السنة ، الذين هم رموزنا ، وقادتنا ، ومناراتنا ، بل صحابة رسولنا الله صلى الله عليه وسلم ، أين الذين دافعوا عن السيستاني ؟ هل السيستاني أولى من الصحابة ، أم أن هناك خلل . أين الدفاع عن ديننا ، وعقيدتنا ، كيف نتهم بأننا لسنا على دين محمد . فكما تم الدفاع عن السيستاني ، والدفاع عن زعيم الأقباط شنودة الثالث ، وإيقاف برنامج الكبيسي ، ومحافظة فرنسا على ثقافتها وقيمها ، فنحن ايضا لدينا دين وعقيدة ، ولدينا ثقافة وقيم ، ولدينا رموز وقادة ، نريد المحافظة عليها ، والدفاع عنها ، وقد نال منها جميعاً ( المالكي ) بالتجني ، والتطاول ، والتطرف ، والتكفير . أفلا يعامل بالعدل كما في حالة السيستاني ، أو الكبيسي ، أو شنودة ، ألا نحتذي بفرنسا ، ونحافظ على قيمنا ، وتراثنا ، وديننا . أقول هذا من باب التنزل والتقليد ، وإلا فالأمر واجب علينا وجوباً ، يحتمه الشرع ، ويوجبه إنكار المنكر ، والأخذ على يد السفيه وأطره على الحق أطراً .