بدا أن حجم الجدل الفكري الذي أثاره مسلسل "الحسن والحسين" بات أكثر من حجم متابعته، وفيما ندرت القراءات الفنية والنقدية المعمقة، التي تناولت المسلسل من حيث المستوى الفني والإخراجي -كما حدث مع عدد من المسلسلات الرمضانية- احتشدت مواقع ومنتديات الإنترنت بكثير من القراءات، الفكرية والتاريخية والتي تبنى بعضها عدد من العلماء الشرعيين، والباحثين الإسلاميين من شتى المذاهب الإسلامية، والتي تكاد تجمع على إساءة المسلسل وتجنيه على عدد من الشخصيات الإسلامية. شخصيات علمية يمثل بعضها هيئات علمية وشرعية كبيرة من داخل المملكة وخارجها استغربت الزج باسمها في مقدمة "مسلسل الحسن والحسين ومعاوية" مما يوحي بأنها أجازت نص المسلسل فيما أكد عدد منهم في حديثهم ل"الوطن" أن نص المسلسل لم يعرض عليهم. ومن الأمور اللافتة جدا أن مسلسل الحسن والحسين ومعاوية بات في الاعتراض عليه محل إجماع كثير من علماء المذاهب الإسلامية المختلفة حيث انهالت الفتاوى المعارضة له لعدد من كبار مراجع الفتوى عند السنة والشيعة. خطورة الفتوى مفتى عام المملكة الأردنية الهاشمية الشيخ عبدالكريم الخصاونة قال في تصريحه إلى "الوطن" :إن القائمين على مسلسل "الحسن والحسين ومعاوية" اعتمدوا على آراء إن صحت لأصحابها فهي لم تركز على خطر الفتوى على المجتمع"، مؤكدا أن دائرة الإفتاء الأردنية، سبق أن أصدرت فتوى بتحريم صور الأنبياء، وكذلك تمثيل الحسن والحسين، والخلفاء الراشدين مشيرا إلى أن "أي تجسيد من شأنه أن يغير صور أولئك العظام، خصوصا في أذهان صغار السن، ويعرضهم للسخرية والاستخفاف، حين يتخيل الناس صورهم من خلال أولئك الممثلين، وكذلك ما سيترتب عليه المسلسل من فتح باب الخوض في الفتنة بين العامة التي نهى العلماء عنها". سماجة التمثيل ويرى عضو مجلس الشورى أستاذ الحديث والسنة المشرفة وعلومها بجامعة أم القرى الدكتور حاتم العوني أن المسلسل أساء إلى فكرة تمثيل الصحابة إساءة بالغة، لما فيه من ضعف وصل حدا من السماجة في التمثيل –على حد وصفه- مؤكدا أن الحوار لا يخفى حتى على المشاهد العادي غير المتخصص في شؤون إنتاج الأفلام والمسلسلات وإخراجها. وأشار العوني إلى أن فكرة المسلسل "تسير في اتجاه يسيء إلى الصحابة -رضي الله عنهم- بسبب غلوه في تفسير بعض المواقف خلافا لحقائق التاريخ الثابتة، ودخل أيضا منحنى خطيرا آخر في الإساءة إليهم، بإيقافهم مواقف لم يقفوها"، وقال "إن تساهلنا في الكلام والألفاظ لضرورة الحوار في المسلسلات، فلا وجه للتساهل في مواقف نسبت إليهم لا تصح عنهم، بل ربما صح عنهم نقيضها". وذهب الدكتور العوني من خلال متابعته أوائل حلقات المسلسل إلى أنه "يقوم على وجهة نظر نعرفها فكريا وعلميا تسيء للصحابة، باسم الدفاع عن بعضهم. كانت في حيز الاختلاف، عندما كانت في بطون الكتب، لكن أن تخرج في مسلسل بهذه الطريقة السمجة، فقد أصبح الأمر غير مقبول، وأثره السيئ سيكون خارجا عن حد اعتبار قبوله، ولا على أنه وجهة نظر مرجوحة مرفوضة". عدم الإجازة من جانبه، أكد عضو هيئة كبار العلماء الدكتور قيس بن محمد آل الشيخ مبارك والذي ورد اسمه في مقدمة المسلسل ضمن الشخصيات التي أجازت تصوير مسلسل الحسن والحسين في حديثه إلى "الوطن" أنه لم تصدر منه فتوى تجيز عرض مسلسل الحسن والحسين -رضي الله عنهما- وقال "لم أتكلم عن هذا المسلسل، أو أي مسلسل آخر بعينه". وفي ذات السياق أكد قاضي القضاة إمام الحضرة الهاشمية بالأردن الشيخ الدكتور أحمد هليل أنه لم تصدر عنه فتوى بخصوص تجسيد أو تمثيل الصحابة الكرام عموماً والحسن والحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصوصاً. وأكد هليل أن ما صدر عنه كان مجرد توصية للجهات المعنية وصاحبة الاختصاص لتيسير الموافقات والتسهيلات والحجوزات لتصوير برنامج إيماني رمضاني بعنوان مشاعل النور قصة وسيرة الحسن والحسين رضي الله عنهما وذلك تكريماً لآل بيت رسول الله صلى الله عليه، ورداً على الأفكار المغلوطة حول هذا الموضوع بما يحقق وحدة المسلمين وجمع كلمتهم ونبذ التعصب والطائفية. من جهته قال أمين مجمع الفقه الإسلامي الدولي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالأردن سابقاً الدكتور عبدالسلام العبادي "إن كلمة المجامع وهيئات كبار علماء المسلمين ومجالس الفتوى في عدد من بلاد العرب والمسلمين التقت على تحريم تمثيل دور الأنبياء وكبار الصحابة وآل البيت في أفلام تلفزيونية ومسلسلات، لما في ذلك من إساءة إليهم وحط من قدرهم ومنافاة للأدلة التي توجب تكريمهم وتعظيمهم لما لهم من مقام كريم ومنزلة عالية". وذكر أن من تعظيمهم ألا يقوم أحد بمحاكاة أفعالهم ومواقفهم ممن ليس في منزلتهم تقوى وسلوكاً من ممثلين عرفوا بسلوك وممارسات أقل ما يقال فيها إنها لا تداني سلوك هؤلاء الصحابة وكبار آل البيت ولا ممارستهم خدمة للإسلام والمسلمين. وأضاف العبادي :أن التمثيل يجعل من كل تصرفات الممثل وكلامه في سياق الحديث المقصود صورة لسلوك الصحابي وشخصيته، وفي ذلك ما فيه من كذب وتقول بالباطل وإساءة وافتراض لسلوك ليس للصحابي علاقة به، فلا بد من إجلال الأنبياء والصحابة عن أن نمثلهم في صورة ممثل سلوكه مشوب بكثير من التصرفات غير الشرعية والمرفوضة". ويرى العبادي أن في التمثيل وسيلة للكسب المادي فكيف نجعل التشبه بالأنبياء والصحابة وكبار آل البيت وأقرب الناس للرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام وسيلة للاسترزاق وجني الأموال والإثراء بحجة استغلال المنزلة التي يتمتعون بها في مجالات الإسلام العظيم لهذه الأهداف المادية. ويؤكد أنه "إن كانت هناك مصلحة في خدمة الدين والدعوة إليه قد تتحقق من هذه الأعمال فإنها مصلحة مرجوحة لا يبنى عليها الحكم، وهذا ينطبق على المسلسل التلفزيوني الحسن والحسين تمام الانطباق لما فيه من تجسيد لشخصيتي الإمامين الحسن والحسين ريحانة نبي هذه الأمة عليه صلوات الله وسلامه وعرض لأحداث يصور فيها العديد من الصحابة وكبار آل البيت". فتنه الباحث في الدراسات الشرعية الدكتور عمر عبدالله كامل ذهب إلى أن المسلسل حمل في طياته فتنة كبيرة بالحديث عن الفتن التي جرت بين الصحابة، مشيرا إلى أن العلماء المتقدمين والمتأخرين، كان لهم موقف واضح وصريح من التحذير من الخوض في هذا الأمر والإمساك عما شجر بينهم فهذه مواطن تزل فيها الأقدام. وقال كامل "إن كان العلماء نهوا عن الخوض فيها بين طلبة العلم والعلماء فنشرها بهذه الطريقة بين العامة عبر شاشات التلفاز والقنوات الفضائية خطره وضرره أكبر فمقام الصحابة مقام عظيم حيث لهم الهيبة الكبرى ومثل هذه الأعمال تقلل منها وتنقص من قدرهم، بتمثيل من ليس بأهل أن يحاكي حالهم ودورهم فحال التمثيل وأهله معروف فكيف لهؤلاء أن يتقمصوا دور نجوم الأمة وكبارها الذين كرمهم الله ورسوله، إضافة إلى أن تلك الفترة كتبت فيها عدة اتجاهات مذهبية وطائفية مزقت الأمة إلى يومنا". ودعا وكيل كلية الشريعة والدراسات الإسلامية للدراسات العليا المشرف على كرسي الأمير سلمان بن عبدالعزيز لدراسات تاريخ مكةالمكرمة بجامعة أم القرى الدكتور عبدالله بن حسين الشنبري إلى عدم القيام بإنتاج أعمال فنية من هذا النوع مؤكدا أهمية إيقاف بث ما أعد منها، والتي من بينها مسلسل الحسن والحسين -رضي الله عنهما- لأن أولئك هم سلف الأمة والقدوة والمثل الذي تحتذي به الأمة قرنا بعد قرن، وهم كالنجوم وصورتهم الذهنية في مخيلات المسلمين جميلة موقرة يحكمها صفاء العقيدة ومنهج الإسلام. وأضاف: أنه نظرا لأن أي عمل فني وأي جهد بشري لا يمكن أن يجسد تلك القامات السامقة لأعلام الإسلام ولن يتحقق له الكمال، إما لخطأ في المعلومة التاريخية أو هوى في الرواية أو خلل فني أو قصور في الأداء فإن حدوث ذلك سيعرض الصورة البراقة لسلف الأمة للتشويه والتشكيك، وفوق ذلك المحاذير التي يمكن أن تجر الناس إلى الخوض فيما شجر بين الصحابة من خلاف، مما يوجب العمل بحكم الشريعة نحو هذه الأعمال الذي جلته فتاوى علماء الأمة المعتبرين . غير مقنع ومن الناحية الفنية قال الكاتب والإعلامي كمال عبدالقادر في تصريحه إلى "الوطن" إن المسلسل لم يبهره في جمالياته الفنية، بالنظر إلى تلك الألوان الزاهية في الملابس والمتعددة التي خرج بها كثير من أبطاله، فكأنما هو "عرض أزياء، وهو أمر غير مقبول بالنظر إلى الحقبة التاريخية المعنية بالبحث، كما أن الحالة التي كانت تعيشها تلك الشخصيات لا تدعو إلى ارتداء تلك الملابس الفاخرة، والتي تبدو وكأنها خارجة للتو من مغسلة للبخار، فهي مكوية بطريقة أنيقة ومرتبة ولا تبدو متفقة مع تلك الفترة التي تفتقر إلى "المكواة". ولفت عبدالقادر في هذا السياق إلى ما عمله المخرج الراحل مصطفى العقاد، حين قدم فيلم الرسالة كيف أظهر ملابس الممثلين متوافقة مع تلك الفترة من التاريخ حيث كانت مهترئة، وفيها شيء من القدم، وليس كما حدث بالصورة التي ظهر بها ممثلو مسلسل الحسن والحسين التي بولغ في بعضها بالزركشات، وإضفاء خيوط الذهب عليها، وأشار كمال إلى شخصية الأشتر، وهو يحاصر سيدنا عثمان بن عفان، حيث كان يرتدي ملابسه الملونة بألوان متناسقة وجميلة، ويظهر في كل مقطع بملابس جديدة تفوق ما قبلها من حيث تعدد الألوان. وتابع "كما أن الإكسسوارات التي ظهرت في المسلسل تباع في عصرنا الحالي في الأسواق، فهل يعقل أن تعرض على أنها في ذلك الزمن، أما إذا جاء الحوار على أنه في المدينةالمنورة، فهل من المنطق أن نقبل منظر المدينة المشهورة بكثرة نخيلها بهذا النخيل القليل جدا والذي بدا عليه التهالك، وكأن الماء لا يصل إليه، فهل هذه هي المدينة المعروفة بنخيلها الباسق الجميل". أما الجانب التاريخي، فيرى كمال أن صياغته رديئة جداً، فالحدث الأكبر الذي تدور حوله أحداث المسلسل، هو مقتل الصحابي عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد مرّ دون أن نرى تفاصيل ذلك على أقل تقدير، ثم فوجئنا في بداية الحلقة السادسة أو السابعة، أنه قُتل، وهذا عيب فني كبير جداً. تحريم تجسيد الصحابة وكان مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ وعدد من أعضاء هيئة كبار العلماء منهم الشيخ صالح اللحيدان والشيخ عبدالله المنيع وغيرهم قد أفتوا مؤخراً بتحريم هذا المسلسل وتحريم تجسيد أدوار كبار الصحابة فيما صدر قبل أيام للشيخ عبدالرحمن البراك بيان تضمن القطع بتحريم مسلسل الحسن والحسين (رضي الله عنهما) جاء فيه قوله نقرر: أن ما أعلن في بداية شهر رمضان لهذا العام 1432من إصدار مسلسل عن الحسن والحسين ومعاوية رضي الله عنهم، وعرض إحدى القنوات الفضائية له أن ذلك حرام، يشترك في إثمه كل من له أثر في صناعة المسلسل وترويجه؛ من كاتب ومخرج.. وممثل ومموِّل وناشر، وأولى منهم بالإثم صاحب فكرة المسلسل، وهكذا من يقره وهو قادر على منعه، فعلى الجميع أن يتقوا الله، ويتوبوا إليه. نفي الفتوى كذلك أفتى مراجع الشيعة بعدم إجازة مسلسل الحسن والحسين ومعاوية، وأشار السيد علي فضل الله ابن الراحل محمد حسين فضل الله وهو من علماء الشيعة في لبنان إلى عدم صحة ما نشر من وجود فتوى من والده الراحل فضل الله تجيز هذا المسلسل كما تشير إليه الشركة المنتجة في قائمة من اعتمدت عليهم في تجويز هذا العمل، حيث نفى "أن يكون مكتب المرجع الرّاحل قد تلقّى طلباً بإصدار فتوى تجيز تصوير مسلسل (الحسن والحسين ومعاوية)، أو أنّه اطّلع على نصّه كما يشاع من قبل أصحاب المسلسل"، وختم تصريحه بالتمنّي على كلّ من يريد أن ينقل عن السيّد فتوى دقيقة وحسّاسة من هذا النّوع، مراجعة المكتب الشّرعيّ، لأنّ الفتوى تصدر عادةً لتجيز أمراً من حيث المبدأ، لكنّ تشريع العمل نفسه يحتاج إلى التّدقيق بالتّفاصيل. وكان قد أجمع –بحسب رصد "الوطن"- كبار مراجع علماء الشيعة على معارضة وتحريم هذا المسلسل حيث صدر العديد من التصريحات المعارضة لهذا المسلسل بدءا بالمرجعية العليا حيث صرح عبدالمهدي الكربلائي ممثل المرجع السيد علي السيستاني في كربلاء :أن هناك بعض القنوات الفضائية ذكرت أمرا غير صحيح وهو أن المرجعية الدينية العليا وافقت على بث مسلسل الحسن والحسين، ونحن نقول إن الأمر خاطئ تماما، لا صحة له إطلاقا بل هناك تحفظات كثيرة على هذا المسلسل", مشيراً إلى أن المسلسل سيؤدي إلى مزيد من الاختلاف بين المسلمين نظراً إلى اختلاف وجدلية الأحداث التاريخية. وأضاف أنه فيما يتعلق بأصل تمثيل شخصيات الأئمة وأصحاب النبي فإن هذا موضع خلاف بين فقهاء المسلمين وهو محل إشكال كبير عند بعضهم، وليس من الصحيح أن يقوم البعض ممن لا ورع عنده ولا التزاما دينيا بتمثيل هذه الشخصيات. وأكد مراجع الشيعة كل من بشير النجفي ومحمد إسحاق الفياض ووحيد الخراساني ومحمد صادق الروحاني وحسين بن إسماعيل الصدر على تحريم المسلسل، عبر عدد من الفتاوى التي أكدت على تحريم ذلك وتجريمه والوقوف بحزم بوجه المسلسلات التلفزيونية التي تجسد بعض الرموز والشخصيات الدينية ومعارضة ذلك بشدة. الزيدية يحرمونه وكذلك وافقت الفتوى عند علماء الزيدية نفس الاتجاه حيث صدرت فتوى كبار علمائهم ومراجعهم كنائب مفتي اليمن سابقا عضو رابطة علمائها حمود عباس المؤيد وكذلك عضو هيئة الإفتاء وناظر الوصايا باليمن محمد بن محمد المنصور بتحريم ومنع ذلك.