لا يخفى على أحدٍ ما يُمثله توافر المأوى من أثر إيجابي يمنح المتحصل عليه مساحة من الحرية والدافعية لممارسة دوره الطبيعي في تنمية ذاته ومُجتمعه بعيداً عن انشغاله بالتفكير في أمور تُعطِل قدراته التي يجب أن توجه لتحقيق الغايات الكبرى، ولكن المتتبع للإجراءات التي بدأ صندوق التنمية العقاري بحُلته الجديدة يتعاطاها أن ثمة أمرا ما يُحاك لإقصاء بعض المواطنين الذين أضناهم الانتظار ، وأنهكتهم سنوات الصبر للظفر بحفنة من المال يُضيفها إلى ما جمعه من قوت أولاده ليسعد بمسكن يقيه وأسرته تقلبات الزمن ، وجور الحياة. لن أتجنى على الصندوق الموقر ؛ فالتنظيمات التي أصدرها مؤخراً والتي يلمح لإصدارها وبالذات بعد صدور الأمر الملكي بزيادة مبلغ القرض إلى 500 ألف ريال ، تؤكد مصداقية ما ذهبت إليه ، فالأمر الملكي الكريم عندما صدر بمنح كل مواطن قرضاً بشكل مُجمل ، فكان من الواجب تفسيره بما يخدم المواطن تمشياً مع توجه القيادة ، بينما الواقع لا يعكس ذلك وإليكم الأدلة : تم تحديد مساحة الشقة التي يرغب المقترض في شرائها ب 250 م ، وكأن منظريه يعيشون بعيداً عن واقعنا ولا يعرفون أن قيمة الشقق ذات المساحة المُحددة من قبلهم يتجاوز سعرها 800 ألف ريال ، الأمر الذي يعني أن المُشكلة لا زالت قائمة ، بل قام البنك بتنظيمه هذا بمفاقمتها ؛ لعدم توافر المبلغ التكميلي لشراء الشقة ذات المواصفات المطلوبة ، يتم هذا ولسان حال الجميع يقول للبنك : أنت ستقوم بتحصيل كامل المبلغ من راتبي الشهري ، فلماذا تحجب عني شيئاً ستأخذه تباعاً مني ؟ وتحاول جاهداً سلبه مني بتفسيرك الذاتي للقرارات الملكية التي صدرت لتُعالج مُعضلة كبرى ستنعكس أثارها مستقبلاً على الاستقرار النفسي للمجتمع بأكمله، وربما تُحدِث انعكاسات لا تُحمد عقباها. حصر الإقراض توجه مُستقبلي في من لا يمتلك عقاراً باسمه فقط ، وهذا يعني أن أحلام الكثير من الذين استطاعوا توفير السكن عن طريق القروض البنكية وبهامش ربح مُرتفع خلال فترة الانتظار على أمل حصولهم على القرض ليُخفف عنهم مديونياتهم المتراكمة راحت أدراج الرياح ، وبدأ القلق ينتابهم ؛ جراء هذا التنظيم الذي عطل التنمية في جانب آخر بعد أن عطلها في آلية شراء الشقق ، إضافة إلى مساهمته في شيوع آفة التحايل التي سيجبر عليها المواطن مُكرهاً والمتمثلة في تسجيل العقارات التي يمتلكها باسم زوجته أو أحد من أبنائه. إن أمام وزارة الإسكان تحديا كبيرا في كيفية مُعالجة الأزمة السكنية المتعاظِمة ، ولولا استشعار القيادة حفظها الله لهذه المُشكلة لما أمرت بإنشاء هذه الوزارة ، ولكن يجب عليها عند رسم استراتيجياتها المستقبلية عدم المساس بحقوق المواطنين الطبيعية التي كفلها لهم حق المواطنة ، وعدم تفسير القرارات بمعزل عن الواقع المعاش ، بقدر ما تكون النظرة شمولية ومنطقية ، فليس من المعقول أن انتظر سنوات عجافا ، ويأتي تنظيمٌ رُسمت ملامحه بعيداً عن قراءة الواقع ويُبدد هذا الحلم ، وأُطالب بعد ذلك بأن أكون موطناً صالحاً.