لا يزال التعاطي مع القضايا الآنية يتخذ من الجمود مرسى له ، وما نزال نضرب بسياط الماضي جسد الحاضر ، ليس لأنه الأفضل بالضرورة بقدر ما هو استلال سلبي للوقوف على الأطلال والتباكي على المجد التليد الذي بدأت رسومه تتلاشى بحجة عوامل التعرية ذات البعد التغريبي التي ما إن تُنادي قوى التغيير في المُجتمع بضرورة حتميته إلا ومأمورو الأسطوانة المكرورة جاهزون لإدارتها بوعي مُفرَغ من أبجديات قراءة الواقع بلغة العقل وإملاء المنطق ، وفي تحد غير واع لما يجب أن يكون ، والإصرار المتعاظم على ما كان. الإطلالة السابقة استنطقتها ذهنيتي جراء الهرْج والمرْج الذي تدور رحاه هذه الأيام في الأوساط المُجتمعية بكافة توجهاتها الفكرية وتطلعاتها المستقبلية حول قيادة المرأة السعودية للسيارة ، والذي أججه خروج بعض النساء قائدات لمركباتهن دون توافر غطاء قانوني يسمح لهن بممارستها ، الأمر الذي دفع بالمعارضين بأن يدلوا بدلوهم ، وجابههم المؤيدون بمطالبهم ، ومع احترامي لكل وجهات النظر المتفقة والمُختلفة مع ما سأطرحه أقول : إن قيادة المرأة للسيارة قضية اجتماعية وهذا ما يجب أن نُقرره أولاً ، والدليل على ذلك ما صرَّح به خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله في حديثه الشامل مع النائب الأول للمدير العام لوكالة « ايتار تاس» الروسية بحسب ما أوردته صحيفة « عكاظ « الاثنين12-2-2007م ، حيث قال الملك عبدالله في معرض رده حول قيادة المرأة للسيارة : إن «هذا الموضوع يعتبر قراراً اجتماعياً ودور الدولة هو ضمان توفير المناخ الملائم لأي قرار يراه المجتمع مناسباً بما ينسجم مع مبادئ الشريعة الإسلامية «. إذاً القراءة الهادئة لتصريح الملك أيده الله أزالت الكثير من الضبابية حول أحقيِّة المرأة كإنسانة تحتاج فقط لمن يؤطر لمسيرتها الحياتية بعيداً عن الوصاية الذكورية التي تجاوزت الحد المُعطى شرعاً ، ورسخت في الوعي الجمعي أنها فقط تابعة وليست متبوعة ، وهذا ما يلفظه واقع الحال ؛ إذ إن المرأة تسنمت مراكز قيادية وضعت من خلالها اللبنات الأولى لاستعادة الحق المسلوب بذريعة العادات والتقاليد البالية التي جثمت على صدورهن حقبة غابرة من الزمن ، ناهيك عن أن مستوى وعيهن تجاوز هذه الأطروحات المقولبة ، مما يعني أن ثمة صياغة جديدة للفكر لا بد أن تكون حاضرة وبقوة عندما يكون التغيير هو المنفذ الوحيد لإذابة الاحتقان المتنامي بين قطبي معادلة الحياة. كنت أتمنى عدم تبني سياسة الأمر الواقع من قبل صاحبات الحق ؛ لأن المواجهة محسومة ضدهن سلفاً ، بل كنت أرغب أن يتخذن ما قاله الملك عبد الله كخارطة طريق للمطالبة بحقهن في كل شيء وليس فقط في قيادة السيارة ؛ لكي لا تنالهن سهام الظن السيئ المتواترة في الذهنية المُجتمعية. استشراف يُقلقني في حال السماح بقيادة المرأة للسيارة التكدس الذي سيتعاظم في شوارعنا أكثر من أي وَهْم آخر يكتنز العقول الضيِّقة ، إضافة إلى الهدر المادي الذي يتكبده الاقتصاد الوطني من كثرة العمالة بذريعة القيام بهذه المهمة .