د. سهيلة زين العابدين حمّاد - المدينة السعودية تعتبر المرأة من أهم التحديات التي تواجه منظومة الإصلاح ،ولن يكون هناك إصلاح مالم يتم إصلاح وضع المرأة في المجتمع التي تشكل 49% من البناء المجتمعي، ولم تنل الكثير من حقوقها التي منحها لها الإسلام، وتحدثتُ في الحلقة الماضية عن حقوقها الدينية والمدنية، وسأتحدث اليوم عن حقوقها المالية، فالمرأة السعودية لم تتمتع بما منحها الإسلام من حقوق، فبفرض الأنظمة والقوانين وصاية ولي الأمر عليها الذي حرمها في كثير من الأحايين حقها الشرعي في الميراث إمّا لأعراف قبلية، أو لتسلط ولي الأمر، هذا التسلط الذي غزَّته وقوَّته تلك الأنظمة التي سلبت المرأة أهليتها، وجعلتها تحت الوصاية الأبدية لولي الأمر، ويعزّزه قبول القاضي تنازل المرأة عن حقها في الميراث لإخوتها، وهو يدرك أنّ هذا التنازل تمّ رغماً عنها نتيجة الضغوط الموجهة إليها من قبل إخوتها وسائر أفراد الأسرة، بدلاً من أن يحميها، ويُعزِّزها أيضاً اشتراط وزارة التجارة على سيدة الأعمال أن يدير أعمالها رجل، والذي يستلم بضائعها من الجمارك وكيلها، ممّا يعرّضها للابتزاز والاستغلال، ففضل الكثيرات تجميد أموالهن على استثمارها ، ممّا أدى إلى تجميد أكثر من ثلاثة أرباع أموالها، فالنساء السعوديات يملكن ثروة تُقدّر بِ ( 375) مليار ريال، المستثمر منها ( 75) مليار ريال، في وقت تضع الجهات المختصة كل التسهيلات للاستثمار الأجنبي البالغ قدره (500) مليار ريال، ووصل الحد إلى التعامل معها كأنّها ملك لولى أمرها أباً كان أو زوجاً، فهناك من الأزواج والآباء يريدون الاستيلاء على رواتب زوجاتهم وبناتهم إن كن موظفات، ومن هؤلاء الآباء من يعضلون بناتهم ليحتفظوا برواتبهن، وإن زوجوهن يشترطون على الأزواج أنّ يستلموا رواتبهن، وإن حدث نزاع بين أب وزوج على راتب الابنة والزوجة أوصلهما إلى القضاء نجد القاضي يحكم بأخذ كل منهما نصف الراتب، وكأنّها آلة تعمل لمن امتلكها، أو كأنّها أمة تعمل لسيدها، وليست إنسانة حرة لها ذمة مالية مستقلة، ومن حقها امتلاك راتبها، وليس للزوج حق فيه، فهو مكلف بالإنفاق عليها وعلى أولاده وبيته بحكم قوامته، والزوجة ليست مكلفة بخدمة زوجها وبيتها، وإن قامت بذلك فهو تفضل منها، فإن كان إرضاعها لطفلها مكلفا الزوج بدفع لها ثمن إرضاعها له إن كانت مطلقة فكيف يحق له راتبها؟ بل نجد الأنظمة والقوانين تعطي لولي الأمر حق تزويج طفلة لرجل مسن لحصوله على مهر كبير يستأثر به ولي أمرها ، ومع أنّ المهر ملك المرأة ، إلاّ أنّنا نجد العرف الاجتماعي يلزمها بالتنازل عنه لشراء الأثاث المنزلي، بينما نجدها في حالة طلبها للطلاق لممارسة زوجها عنف ضدها يُطالبها معظم القضاة بمخالعته ، فتتنازل عن حقوقها المالية ، وتلزم برد إليه ما دفعه لها من مهر ،كما نجد نظام التقاعد يحرم المرأة من تقاعدها، إن تُوفي زوجها، فلا يصرف لها تقاعدها ،وحصتها من تقاعد زوجها، وإن صرف لها تقاعدها، لا تُصرف لها حصتها من معاش زوجها، وإن توفيت لا يُصرف معاشها لزوجها وأولادها إن كانوا غير سعوديين، بينما يُصرف لزوجة المتوفى الأجنبية حصتها من معاش زوجها، والمرأة السعودية المتزوجة محرومة من حق الاقتراض من صندوق التنمية العقاري، واشتراط منحها القرض أن تكون قد بلغت سن الأربعين ولم تتزوج، أو تكون أرملة، أو مطلقة مضى على طلاقها ثلاث سنوات، بينما الذكر يحصل على القرض بمجرد بلوغه سن 21 عاماً!!وترتب على هذه الشروط أنّ زوجات اضطررن الاقتراض بأسماء أزواجهن، وهن يسددن القروض من رواتبهن ، والبيوت تُكتب بأسماء الأزواج ، فإن طلقت الواحدة منهن تُطرد من بيتها ويصبح مأواها الشارع إن كان والداها توفيا. كما نجد هناك تمييزاً ضد المرأة في صرف رواتب للنساء أقل من الرجال مع أنهن يحملن نفس المؤهل ،وهذا مثبت، فعندما بحثتُ في قضية المعلمين والمعلمات حاملي بكالوريوس تربوي ابتداءً من دفعة (1415ه وتسوية حقوقهم تبيّن لي وجود فوارق كبيرة بين المعلّمين والمعلّمات اللواتي يحملن نفس المؤهل، وخريجات نفس الدفعة، ولهن نفس سنوات الخدمة من حيث المستوى والدرجة والراتب ونسب الانتقاص بدون وجه حق، فنجد مثلاً دفعة1417 ) ه انتقص من راتب بعض خريجات هذه الدفعة اللواتي عيِّنَّ على المستوى الخامس، وارتقيْن إلى درجة (4) بعد خدمة (13) سنة، أي أسقط من خدمتهن (9) سنوات، مبلغ وقدره (3679،49) ريالاً (28،49%)، ، فإن كانت كل هذه التجاوزات، واقعة على الموظفات في حقل التعليم العام الحكومي، فلا يعني أنَّ باقي القطاعات لا يوجد فيها ذات التجاوز مادام الأمر في ذمة جهة واحدة هو ديوان الخدمة المدنية، ومادام العاملون في هذا الديوان ينظرون إلى المرأة أنَّها دون الرجل، ويستكثرون عليها مساواتها بزميلها الرجل في الحقوق، وطالما توجد جهات تنتقص من الرواتب المنصرفة بدون وجه حق، وتنقص من المواطنة الموظفة أضعاف ما تنقصه من زميلها الرجل غير ملتزمة بلائحة نظام التقاعد المدني، ظنًا منهم أنَّ المرأة تجهل حقوقها، وأنَّها لن تتنبَّه إلى تلك الفروق الكبيرة -في المستوى والدرجة والراتب ونسبة الانتقاص من الراتب- بينها وبين نظيرها الرجل، فلابد من منح المرأة كامل حقوقها المالية بحماية حق الملكية للمرأة بما فيه حقها في الإرث، وتحقيق الحماية لها من استيلاء الزوج والأب والإخوة والأبناء على أموالها وراتبها، ومعاقبة الإخوة الذين يحرمون أخواتهم من حقوقهن في الميراث، وإبطال الأعراف القبلية التي تجيز لهم ذلك، ومنحها حق الاقتراض من صندوق التنمية العقاري عند بلوغها سن ال21 سنة مثل شقيقها الرجل، وعلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الإداري والمالي في القطاعيْن الحكومي والخاص أن تراقب عمّا إن كانت هناك تجاوزات من ديوان الخدمة المدنية في التعيين طبقاً للمراتب والدرجات ومرتباتها ، وهل ما يصرف من مرتبات في القطاعين العام والخاص للرجال أكثر من النساء المساويات لهم في التخصص والخبرة؟ للحديث صلة.