عندما نريد التحدث عن ثقافة العمل لدى الأمم المتقدمة فإنه يستوجب علينا أن نتعرف على مقومات تلك الثقافة، وكيف تم إشاعتها بين أفرادها منذ نعومة أظافرهم؟ وكيف استطاعوا ترسيخ تلك الثقافة في عقول أبنائهم؟ وفي تلك الدول يتم تعليم الأطفال على حب العمل، ويتم أيضا متابعتهم والتعرف على هواياتهم ورغباتهم منذ دخولهم المدرسة، وتنمية تلك الرغبات فيهم منذ صغرهم، لجعلهم مواطنين فاعلين ومنتجين في مجتمعاتهم عند كبرهم، وهذه الثقافة نبعت من التقدم الحضاري والعلمي الذي تعيشه تلك الدول في إشاعة مفهوم ثقافة العمل بين أفرادها. ونحن في مجتمعنا نفتقد كثيراً إلى إشاعة مفهوم ثقافة العمل بين أفراد المجتمع، وخاصة في المنزل بين الوالد وولده، وفي المدرسة بين المعلم وتلميذه، وربما يعود ذلك لأسباب عديدة منها: عدم الاهتمام بهذه الثقافة من الكثيرين في مجتمعنا، وعدم تبنيهم لمفهوم ثقافة العمل، وبالتالي انعكس الأمر على أبنائنا، وكذلك الإقصاء الذي يُمارس من الآباء، والمعلمين في المنازل والمدارس أثناء تربيتهم وتعاملهم مع الأبناء منذ صغرهم، فلا يتحدثون معهم ويتعرفون على رغباتهم وهوياتهم التي تهمهم في مستقبلهم، مما أثر ذلك في تكوين شخصيتهم عندما أصبحوا كباراً، بحيث جعلوهم غير قادرين على رسم آمالهم وتحقيق طموحاتهم من خلال انعدام تلك الثقافة لديهم. والمنزل والمدرسة ومن ثم الجامعة يُعدون هم المسئولين عن تدني ثقافة العمل لدى شبابنا، بحيث لا يتم تأهيلهم تأهيلاً جيدا، فلا نجد مقررات دراسية أو حصص مخصصة أو ورش عمل تدريبية تتبنى مفهوم ثقافة العمل وترسخه في نفوس أبنائنا منذ صغرهم، وبالتالي أصبحت مخرجات التعليم لدينا ضعيفة في هذا الجانب، وأصبح شبابنا غير قادرين على الدخول والمنافسة في سوق العمل، وهم اليوم مغيّبون جداً عن مفهوم هذه الثقافة تماما، ويتخرجون من الجامعات والمعاهد والكليات وهم لا يعرفون أين يذهبون وما هو مستقبلهم. وفي العقود الماضية كانت ثقافة العمل موجودة لدينا وخاصة قبل حدوث الطفرة الاقتصادية، حيث كان أفراد مجتمعنا في السابق يعملون في كل شيء، فقد زاولوا مهن البيع والشراء، وتعلموا الصناعات اليدوية الخفيفة وغيرها من الأعمال الشريفة التي جلبت لهم الرزق والمال، ولم يكن لدى أولئك الأفراد أي تذمر من تلك الأعمال، بل كان بعضهم يعملون ويدرسون في وقت واحد، وحصل بعضهم على الشهادات العليا وهو يعمل، ولعل الحاجة كانت هي الثقافة السائدة في ذلك الوقت، ولكنهم عملوا وأنتجوا ونجحوا في تحقيق أغلب طموحاتهم. وقد حثنا ديننا الإسلامي على العمل وطلب الرزق الحلال، وألا نتوانى في تحقيق رغباتنا وطموحاتنا. ولنا في رسولنا الكريم أسوة حسنة حيث يقول - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله تعالى يبغض العبد الصحيح الفارغ)، ويقول - صلى الله عليه وسلم - أيضا: (أفضل العمل أدومه وإن قل). وقال بعض الحكماء: لاشيء أحسن من عقل زانه حلم، ومن عمل زانه علم، ومن حلم زانه صدق. وكما يعلم الجميع بأن المقيمين في المملكة تجاوزوا التسعة ملايين نسمة، ويُعد هذا الرقم مهول للغاية حيث إن أعدادهم تزداد سنة بعد سنة، وأغلب هؤلاء المقيمين يعملون في القطاع الخاص ولدى الأفراد، أما الجزء الآخر منهم فيعملون في التجارة والمهن اليدوية مثل: النجارة، وورش السيارات وصيانتها وفي مجال السباكة والكهرباء وإدارة المطاعم الشعبية، وأسواق الخضار والبقالات وغيرها من المهن الشريفة التي تدر أموالا طائلة على أصحابها، وأغلب هؤلاء العمالة متستر عليهم من قبل بعض المواطنين المخالفين لأنظمة الدولة، ولعلك تتخيل كم من المليارات النقدية التي يتم تحويلها إلى الخارج من قبل هؤلاء المقيمين في كل شهر، ناهيك عن النظام الجديد للمستثمر الأجنبي والذي فتح مجالات أوسع أمام الأجنبي ليعمل في المجالات التجارية المتنوعة، وسهل مهمة دخولهم عن طريق هذا النظام ليزاحم المواطن على لقمة عيشه. ولشبابنا دور كبير في ما يحدث من بطالة في مجتمعنا، حيث إنهم هم السبب في تغلل الأجنبي في بلادنا واستفادته من سوق العمل في المملكة بشكل كبير،ويعود ذلك لأنهم تعودوا على الراحة والدعة، ولا يبحثون عن الأعمال التي تدر عليهم أرباحاً كثيرة، وأصبحوا اتكاليين على غيرهم من حيث تأمين المصرف والملبس والمأكل، ولم يذوقوا طعم الحاجة التي ذاقها آباؤهم من قبل، وتجد أن همهم الأول هو الحصول على الوظيفة فقط حتى وإن كانت بأجرٍ زهيدٍ، تاركين الأعمال التجارية والصناعية والتي تدر أرباحاً كثيرة للوافدين والمقيمين في المملكة، مما جعل المقيمين في دولتنا هم الأكثر ثراء من أي دولة أخرى بسبب كثرة الأعمال التجارية وضمان ربحيتها تماما وهذا يعود إلى نقص ثقافة العمل ومفهومها لدى شباب هذا الوطن. وكان المأمول أن يتولى هؤلاء الشباب تلك الأعمال المهمة والاستفادة من أرباحها الكبيرة كل حسب تخصصه وهوايته، وألا نترك الفرصة لغيرنا بأن يستفيد من تلك الأعمال ونحن نستطيع أن نقوم بها. والمأمول من وزارة العمل والتي يقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في محاربة البطالة بأن توجه الشباب إلى هذه المهن وتُسهل مهمتهم وتُذلل الصعاب التي تواجههم وتعيقهم قي تحقيق رغباتهم الوظيفية، كما أن الوزارة مسئولة أيضا عن تثقيف هؤلاء الشباب تثقيفاً مهنيا عالياً وذلك عن طريق عقد الدورات التدريبية المكثفة والمجانية المتخصصة في مجالات العمل وثقافته وتنفيذها لهم بصفة مستمرة، ومن ثم تقوم الوزارة بتبني توظيف هؤلاء الشباب والشابات عن طريق إجبار المنشآت الكبيرة من البنوك والمصانع وجميع القطاعات الخاصة في توظيفهم بدلاً من الأجنبي. وختاما نأمل من شبابنا التحرك وبسرعة شديدة إلى تثقيف أنفسهم في مجال العمل تثقيفاً جيدا، والتوجه نحو سوق العمل السعودي، وتخطي الصعاب التي تواجههم في بداية دخولهم إلى السوق حيث إن السوق بحاجة إليكم، كما نأمل من الجهات الحكومية ذات العلاقة بسوق العمل مساعدة هؤلاء الشباب في تحقيق رغباتهم وعدم تعقيد الإجراءات أمام طموحاتهم حتى يتمكن شبابنا من المنافسة والدخول إلى سوق العمل بكل اقتدار وقوة .