منذ أكثر من عقدين من الزمن، والبطالة يزيد انتشارها، حتى باتت أحد أهم مهددات الاستقرار الاجتماعي في البلاد، فقد كان مؤلماً للمواطنين أن تعلن وزارة الداخلية -الجهة المعنية بمكافحة الجريمة- أن (90%) من المساجين المواطنين عاطلون عن العمل، وأن (70%) منهم جامعيون، مواطنون راحوا ضحية البطالة والفقر خلال سنوات كانت الجهات الحكومية المعنية بتوظيفهم تُعد الخطط الفاشلة الواحدة تلو الأخرى، وحين تنجح وزارة العمل في توظيف مواطن في إحدى شركات القطاع الخاص، فإنها ترمي به في مكان تعيس، وبراتب زهيد، تحت إدارة وافد يمارس عليه الإذلال والابتزاز في لقمة العيش!. لم يقتنعوا براتب زهيد تحت إدارة وافد يمارس عليهم الإذلال والابتزاز في لقمة العيش! هذا الوضع المتردي أدى بمجموعة من الشباب إلى المبادرة في خوض تجربة العمل الحر في قطاعات تجارية معينة، وجدوا أنها تمنحهم دخلاً مرضياً واستقلالية تحفظ الكرامة، لكن مشكلات تظهر بعدم توفر رأس المال الكافي، وتنتهي بالمنافسة الشرسة من قبل العمالة الوافدة التي قد تصل إلى الإقصاء من السوق، وهنا يطرح أكثر من سؤال: لماذا تحشر الجهات المسؤولة الشباب في زاوية الوظيفة التعيسة التي تتم بشكل قسري في الشركات؟، ولماذا لا تكون الجهات المسؤولة جريئة كجرأة قرار مجلس القوى العاملة الذي قرر قبل (11) عاماً أن يحصر بيع الخضار على المواطنين، الذين تنازلوا منذ وقت مبكر عن كبرياء أبناء النفط ليبيعوا الطماطم على الأرصفة، متجاهلين ثقافة العيب، ومتطلعين إلى حياة كريمة، مما حقق فرصاً مهولة لبسطاء وصل دخلهم في عنفوان التجربة إلى (12000) ريال، لا يمكن مقارنته ب (1500) ريال في وظائف القطاع الخاص، ترى ما الذي يمنع الجهات المعنية أن تفتح قنوات تمويل لمشروعات صغيرة، وتحصر البيع فيها على المواطنين، فربما قد لا تجد بعدهاً أحداً يريد وظيفة في القطاع الخاص، أليست البلاد مليئة بالفرص والخيرات؟، أليس سوق العمل التجاري الحر الذي تسيطر عليه العمالة يدر أرباحاً كفيلة بأن تحسن من دخل كثير من الأسر في البلاد؟، خاصةً أن تحويلات العمالة هذا العام للخارج بلغت أكثر من (100) مليار ريال، وهذه المليارات لم تأت من رواتب تلك العمالة في الشركات، ولا في القطاع الحكومي، وإنما من سوق كبير تُحكم العمالة قبضتها عليه. وتشير التقارير إلى أن سوق التجزئة على وجه التحديد سيحقق نمواً عام 2014م يقدر ب(276) مليار ريال، مما يعزز من مشروعية طرح التساؤل حول العوائق التي تمنع الجهات المعنية من فتح المجال لشباب الوطن في نشاطات تجارية سهلة وبسيطة يمكنهم السيطرة عليها مثلما سيطروا على سوق الخضار وطوعوه رغم صعوبته طيلة عقد من الزمن. «الرياض» تطرح الموضوع وتستنطق اقتصاديين وخبراء في مجال الموارد البشرية ليقولوا كلمتهم، وكذلك بعض الشباب، فكان هذا التحقيق. إعداد الشباب في البداية قال «د.عبدالرحمن الطريقي» -خبير تنمية الموارد البشرية-: إنه من المهم الإلمام بالمتطلبات المهنية لمن يرغب أن يمتهن مهنة محددة في نشاط تجاري معين، مؤكداً على أن تلك المتطلبات تتزامن مع أخرى سلوكية، وبعض المهارات الفنية الخاصة بالمهنة، كشروط نظرية لتحقيق النجاح في امتهان نشاط تجاري، مشدداً على أهمية أن تحدد تلك المهارات لدى المواطنين قبل أن نفكر في تخصيص تلك الأنشطة، من أجل ضمان الحصول على إنتاجية عالية، مشيراً إلى أنه يجب علينا أن نعد شبابنا لكي يتوفر لديهم الحد الأدنى للمهارات المهنية والفنية، وأن هناك مهارات غير ملموسة وهي المهارات الإشرافية والقيادية والإدارية والتي قد يجدها أخصائيو الموارد البشرية لدى بعض الشباب عند مقابلتهم أثناء عمليات التوظيف، مشدداً على أهمية إعداد الشباب ليبقوا في القطاع التجاري ويستمروا به، وليس لمجرد أن نوطن الوظائف في هذا القطاع، موضحاً أن هذه مسؤولية كبيرة لكنها ممكنة بالتخطيط وتوفير الدعم الكافي لهم، ذاكراً أن الخبرة قد تكتسب بشكل سريع من خلال الممارسات والنزول إلى السوق، وهذه التي يمكن التعويل عليها مستقبلاً، داعياً إلى عدم إغفال الشق السلوكي للشباب، من خلال رصد حماسهم وكذلك الرغبة والطموح لديهم ومدى وجود الدافع للمضي قدماً في طريق النجاح. تخصيص المحلات وأكد «د.الطريقي» على أن تخصيص المحلات للشباب وكون الشاب يصبح هو المالك لهذا المحل، فإن ذلك سيمثل الدافع الحقيقي للالتزام وأخذ الأمور بجدية كبيرة، كونه وحده يتحمل المسؤولية وتبعات هذا المحل، مما يمنحه الشعور بالمسؤولية وهذا قد يكون أحد الدوافع المهمة نحو النجاح، وحول حصر الشباب في الوظيفة في ظل تدني أجور القطاع العام والخاص، وإهمال عمليات التمويل وحماية الأنشطة التجارية، قال: إن التفكير في هذا الاتجاه هو عين الصواب، مقترحاً أن يتم إعداد الشباب منذ سنوات الدراسة، بحيث يعد الشاب لسوق العمل مبكراً من خلال مناهج تعلم الشباب مهن بعينها، وتعطيهم أساسيات العمل الحر، بغية إعدادهم ليستلموا السوق، مشيراً إلى أن الوظائف الحكومية ربما لا تستوعب حتى (5%) من نصف مليون يطرحون في هذا السوق، داعياً إلى تهيئة الشباب لأن يكون لديهم استقلالية في عملهم، وألاّ يكون الشاب عبئاً على أحد، وأن لا يكون فريسة لبراثن البطالة، وذلك من خلال فتح السوق أمامهم ليكونوا منتجين، ويديرون القطاعات التجارية في البلد، مبيناً أنه يجب ألاّ يبقى المواطنون أسرى للبحث عن وظيفة، مشدداً على أهمية زرع ثقافة الاعتماد على الذات لدى الشباب ورعايتهم في مشروعاتهم الخاصة، بل وحمايتهم من المنافسة غير العادلة في عقر دارهم. طاردة ومحبطة وأوضح «د.الطريقي» أن وزارة العمل غير مهيأة وغير قادرة على فهم مشكلات البطالة، منتقداً تعامل الشركات التي توظف الشباب على مضض، مضيفاً أن الأجواء التي يعمل بها المواطنون هي طاردة ومحبطة؛ لأنهم حصلوا على تلك الوظائف المتدنية الأجور بفرض النظام، مما جعل الهدف من توظيف هؤلاء الشباب انصياعاً للأنظمة وليس رغبة في توظيفهم والإفادة من خدماتهم، لافتاً إلى أن استقلال هؤلاء الشباب بمشروعات خاصة سيكون أجدى، خاصةً إذا توفرت لهم قنوات الدعم والتمويل والحماية والتوجيه، وعن تجربة توطين سوق الخضار في استيعاب أبناء الوطن وتوطين ملايين الريالات قال: إن توطين الخطوط التجارية البسيطة التي لا تحتاج رأس مال كبير والسهلة الإدارة والتي تدر أرباحاً جيدة هي في هذه المرحلة قد تكون الأقرب لحل مشكلة البطالة في صفوف الشباب الذين لا يحملون مؤهلات، ذاكراً أنه بالنظر إلى تجربة سوق الخضار واستمرارها قرابة عقد من الزمن، فإن المعطيات الحالية قد تؤدي إلى نجاح تخصيص أنشطة بعينها لعمل الشباب. مازال محدوداً وقال «علي الصادق» -كاتب اقتصادي-: إن الإقبال من قبل الشباب على مجالات تجارة التجزئة والخطوط التجارية الأخرى مازال محدوداً، مضيفاً أنه ما زالت العمالة الوافدة تسيطر على أغلب مجالات تجارة الجملة والتجزئة والمهن الحرفية والمهنية، مؤكداً على أنه بالرغم من وجود بعض التجارب التي تدل على نجاح الشباب في هذا المجال، إلاّ أن الغالبية منهم يفضل الأعمال الإدارية في القطاع الحكومي، مرجعاً ذلك لعدة أسباب أهمها المنافسة القوية من العمالة الوافدة، وطول ساعات العمل، وعدم ثبات الدخل الشهري، فضلاً عن شبه انعدام الأمان الوظيفي، مشيراً إلى أن هناك دوراً جوهرياً في عدم رغبة الفرد للعمل في هذه المجالات، والمتمثل في النظرة الدونية للأشغال الحرفية والفنية اليدوية، مبيناً أنه قد ساد في المجتمع ثقافة العامل الأجنبي ذي الأجر القليل، وانعدام ثقة المجتمع بمهارة وقدرة الفرد المواطن، وحول أهمية التدخل الحكومي لتعزيز وجود الشباب في سوق العمل التجاري الحر، ذكر أن استمرار الحكومة في تعزيز الفرص الوظيفية في هذه المجالات من خلال بعض البرامج التعليمية والحوافر التشجيعية المادية وغير المادية، يلعب دوراً رئيسياً في إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة، موضحاً أنه يعتمد نجاح هذا الدور على عاملين رئيسين هما أولاً: يجب أن يتخلى المجتمع عن تفضيله غير الموضوعي للعامل الوافد، مع تشجيع الفرد المواطن من خلال رفع درجة الثقة في إمكانية الفرد على إنجاز هذا النوع من الإعمال، وثانياً: يجب على الفرد التخلي عن تفضيله للعمل الإداري والدخول في هذه المجالات. كسب الرهان وأوضح «محمد آل طاوي» -مهتم في الموارد البشرية- أنه من الإيجابي أن نفكر في فتح فرص العمل للمواطنين بالتملك في الأسواق الصغيرة كبداية، وأن يعتمد الشاب على نفسه في إدارة عمله الخاص، مؤكداً على أن هناك عدة قطاعات يمكنها أن تستوعب الشباب لو حصر العمل بها عليهم، مضيفاً أنه على سبيل المثال توجد فرص كبيرة في أسواق الجوالات والصيانة ومبيعات التجزئة والجملة، وكذلك نسخ المفاتيح والمكتبات الصغيرة وغيرها من الأنشطة التي تملأ السوق وتسيطر عليها العمالة الوافدة، مضيفاً أن الشباب اثبتوا أنهم قادرون على كسب الرهان عندما تم منحهم تلك الفرص لهم، مشيراً إلى أنه لو نظرنا مثلاً إلى من يعمل على تصوير المستندات أمام الإدارات الحكومية كالجوازات أو المحاكم أو مكاتب العمل وكذلك المعقبين لوجدناهم عينه من الشباب الطموح الذي يعمل تحت أشعة الشمس لثماني ساعات دون أي دعم والذين نفخر بهم جميعاً، مبيناً أن هناك مبادرات من الشباب لمحاولة اقتحام المطاعم الخاصة بالوجبات السريعة وغيرها من المجالات، حيث يوجد لدى المعاهد المهنية والصناعية مخرجات تلبي كافة احتياجات السوق. تهيئة البيئة وأكد «آل طاوي» على أن اهتمامنا بمواردنا البشرية يتطلب منا بذل المزيد من الحماية وتهيئة البيئة التنافسية الشريفة للشباب فيما بينهم، مضيفاً: «أثق أن لدى وزير العمل خطط ايجابية أكثر فعالية لتهيئة الفرص للشباب»، داعياً الوزارة إلى توفير الحماية للشباب لخوض المنافسة واكتساح السوق من خلال الدخول كملاك لتلك المتاجر الصغيرة، مثل محلات الجوالات والاتصالات وكذلك المطاعم والأسواق الصغيرة، التي ستكبر بهم ويكونوا هم أصحاب المال، مبيناً أن وزارة العمل هي الكفيلة بحمايتهم من المنافسة من قبل العمالة الوافدة، ذاكراً أن شريحة الشباب تتمتع بقدرات مميزة في أداء أعمالها ويسكنها الولاء والانتماء للمهن التي يلتحقون بها، مشدداً على أهمية منحهم الفرص الكافية وفتح المجالات أمامهم ودعمهم الدعم الكافي بشكل يوفر لهم بيئة عمل تنافسية أكثر ايجابية، مع توفير الحماية لهم من المتسترين على العمالة الوهمية، ذاكراً أن هناك الكثير من الفرص التي يمكن للشباب أن يستثمرها لو سنحت له الفرصة ووجد الدعم اللازم سواء من رجال الأعمال أو من الجهات التمويلية، مشترطاً ثلاثة شروط لتحقيق نجاح التوجه نحو تخصيص أنشطة تجارية حصرية للشباب، وهي أن تقدم وزارة التجارة تسهيلات تفضيلية قانونية للشباب يستطيعون من خلالها الدخول للسوق بطرق نظامية تحفظ لهم حقوقهم، وأن توجد وزارة العمل الفرص السوقية للمواطنين بالتنسيق مع وزارة التجارة والصناعة والإعلان عنها وتحديد قنوات الدعم، إلى جانب أن تعمل وزارة الداخلية -الجوازات والشرط- بتفعيل دورها لحماية المواطنين من المنافسة الأجنبية في تلك المحلات بالتنسيق مع وزارة العمل.