الصمت عن دور المدرسة التربوي والاجتماعي هو الذي أنتج جيلا من الشباب يتخاذل حتى عن منافسة وافد أجنبي يجني من الأرباح ما يقدر بمليوني ريال وبمدة لا تتجاوز ثلاثة اشهر من كل عام وذلك من عملية بيع واحدة لمحصول التمور في إحدى ساحات التمور في وطني .. هكذا تقول المعلومة التي حصلت عليها من مصدر يعمل في بيع التمور، فلماذا ينتج مصنع العقول في المجتمع (المدرسة) عقولًا لا تعرف الرياضات ولا تعرف أن هذا الرقم من المال يشكل ثروة تتكرر كل عام ويخسرها الوطن وفي عدة مواقع؟! نعم لدينا شباب مميزون يستطيعون أن يسمعونا صوتهم فالإعلام الاجتماعي فتح لهم الطريق، ولكننا لم نختبر قدراتهم في مساحات العمل في وطنهم، ولم ننتج أنظمة ومؤسسات مجتمع مدني تحميهم فمن يحاربهم هل هم يحاربون أنفسهم عندما يدخلون معترك الحقيقة؛ لأن مؤهلاتهم الفكرية وقدراتهم لم تصلا بهم إلى الحد المطلوب، أم أن هناك فئات مزدوجة المصالح، هل أصواتهم التي تصلنا أعلى من قدراتهم أم ماذا..؟ لدينا ثقة بالمجتمع وشبابه بل ويجب أن يكون لدينا ثقة ولكن ماذا نفعل بهذه الثقة إذا كانت هذه الثقة هي فقط في زاوية النوايا والمجالس وليست في مساحة الاختبار لهذه الفئات الشابة؟ فهل المجتمع هو المشكلة وهو الحل لهذه الفئات أم أننا نسينا دوراً للمدرسة لم نناقشه بعد ..؟ أين يمكن أن نعيد صناعة عقول هؤلاء الشباب الذين نرسلهم إلى مدارسنا وهم متحمسون لكل شيء عن المدرسة وحولها، وذلك عندما كانوا أطفالا وكنا نرى فيهم مستقبل المجتمع. وما أن ينتصف بهم العام الدراسي حتى تتغير أفكارهم عن المدرسة ويتحججوا بالكثير من الأعذار للتغيب عن المدرسة وعدم الرغبة بالذهاب إليها.. فمن المسؤول عن الحب والكره بين طلابنا لمدارسنا..؟ نحن المجتمع الوحيد الذي يفرض فيه الطلاب في جميع الصفوف إجازة إجبارية لهم قبل كل أسبوع يسبق إجازة رسمية أو بداية الامتحانات، ولا تستطيع المدرسة منعهم، فهم يفرضونها على آبائهم وعلى مدرستهم وعلى وزارتهم التي تصرخ بالتعاميم فقط.. لقدأصبحت تلك الظاهرة التي يتغيب فيها الطلاب برغبتهم المفروضة تعبيراً عن تخلص المدارس منهم ومن مشكلاتهم. كل مشكلات المجتمعات في أي مكان في العالم تكتشف في المدارس، ولكنها أيضا تحل في المدارس حيث يعاد تغذية الثقافة التربوية بمنشطات وأفكار جديدة تساهم في صناعة عقول جديدة، التعليم في مجتمعاتنا أصبح وظيفة بيروقراطية وهنا تكمن الأزمة، فالمعلم موظف تجلده الوزارة والخدمة المدنية بالأنظمة كل صباح، وأصبح معظم المسؤولين عن التعليم ومن يديرونه ممن لم يدخلوا فصلا في حياتهمو ولم يعلّموا طفلا حتى من أطفالهم. البطالة هي مشكلة تربوية قبل أن تكون اقتصادية العمالة وسيطرتها على سوق وافر بالمال، وسبب تلك البطالة غير المباشر هو عدم قدرة المدرسة على رؤية كل زوايا المجتمع فقد أصبحت المدرسة تخجل أن تعلم الأطفال أن المهنة شرف لأن الشرف أصبح محصوراً في مهنة تدر مالا دون عناء بمهام إدارية وإشرافية فقط. ثقافتنا تقول في كل بيوتنا ومدارسنا إن أبناءنا يجب أن يكونوا أطباء ومهندسين، ويركبون قطار التعليم، وعلى هذا الأساس يستعد المجتمع ولكننا لا نكتفي يوماً من الأطباء، ولا من المهندسين؛ لأن قطار المدرسة يتوقف بهم ويجبرهم على المغادرة في محطات التلقين والتحفيظ والتكرار فلا أطباء ولا مهندسين نجد، بل نجد شكلا مختلفا من الطلاب. ملايين الريالات الذاهبة عبر البنوك من فئات تعمل في مجتمعنا ليس لديها تعليم يذكر بل إن معظمها لا يعرف الكتابة والقراءة.. هذه الملايين لا نخجل عندما نتحدث عنها أو أخبارها أو وصف اجتهادها في العمل بل نتحدث بقوة عنها، ولكن على الجانب الآخر نخجل ونستحي أن نصف شاباً من المجتمع يعمل في بيع الخضار أو سوبر ماركت أو حارس أمن ونعتبر انه غير محظوظ حيث يقوم إعلامنا بحملة لتشجيع هذا الشاب بطرقة مؤسفة توحي بالعطف وكأن هذا العمل عيب جديد في المجتمع يجب علينا تقبله بينما كان جزء كبير من آبائنا وأجدادنا هو من يدير هذه المهن. ثلث مجتمعنا يذهب إلى المدرسة ولكن كم يعود من ذلك الثلث إلينا وهو مؤهل بسلاح العلم والعمل..؟ الأزمة أن نسبة أقل من القليل هي التي تخرج خروجا مكتملا من المدارس لأن جميع أبنائنا مع الأسف لا يخرجون خروجا كاملا من المدارس فحتى الجامعات أصبحت لا ترى في تحصيلهم الدراسي سوى ثلث ما ترغبه من الدرجات، وأصبح الطالب مرهونةٌ حياته باختبار القياس والتحصيل. أين فقدنا هؤلاء الشباب؟ بالتأكيد ليس في ساحات قتال أو غيره.. ولكننا فقدناهم في ساحات المدارس التي أصبح وجهها عورة ثقافية والصراع فيها دائر بين المعلمين ومؤسسة التعليم، وبين المناهج والمجتمع، وبين التطور العالمي والتقليدية، والنتيجة فئات من الشباب تثيرها في كثير من الاحيان قصص كاذبة ينشرها التويتر ويجتهد فيها لأن المدرسة لم تعلم الأبناء التفكير المنطقي والعلمي لتمحيص الحقائق وفرضها. المدرسة هي المسؤول عن كل شيء .. وإذا ما أردنا أن نغير في مجتمعنا فعلينا الذهاب إلى المدرسة حتى لا نقول إن شبابنا كسول ونحن نعلمه في المدرسة الكسل والاعتماد على غيره وحتى لا يصبح العمل والإيمان بقيمته مصدر خجل بينما نتفاخر بأن شخصاً يحول ملايين الريالات من عمل بسيط لا يتجاوز الأشهر لأن شبابنا لا يريد ذلك العمل أو لا يجد طريقا إليه. من المسؤول عن تغيير ثقافة بهذا الكم الهائل من قضايا الشباب المهمة؟ الحقيقة أنه يجب أن لا يكون لدينا فقر بين الشباب لأننا وبكل أسف نمارس وبدون إدراك منا إنتاجا للفقر وفرضا لواقعه على مجتمعنا، ليس لدينا بطالة ولن أعترف يوما بهذا إذا كان مفهوم عدم البطالة أن نوفر وظيفة مكتبية لكل فرد، لأن ملايين الريالات تحوّل عبر بنوكنا ولكن ما سوف أعترف به أنه لدينا أنظمة إدارية واقتصادية لازالت لم تحمِ شبابنا، ولم تحمِ اقتصادنا كي يبقى في الداخل.. نقلا عن الرياض