باحث شرعي بموقع الإسلام اليوم السؤال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالمردقوش؛ فإنه جيد للخشام". والخشام هو الزكام. بحثت عن هذا الحديث في كتب السنة فلم أجده، أرجو أن تفتوني، هل هو صحيح أو ضعيف أو موضوع؟ الجواب بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فالبَرْدَقوش نبات طيب الرائحة، وله فوائد كثيرة، تجدها في الآداب الشرعية لابن مفلح (2/392)، والجامع لمفردات الأدوية والأغذية لابن البيطار (2/178)، والمعتمد في الأدوية المفردة للملك الأشرف عمر بن يوسف الغسَّاني التُّركُماني (1/109، 207، 208)، (2/103، 194، 192، 197، 201)، وتاج العروس (17/380-381). ويذكرون له أسماء عدة: البَرْدَقوش، المَرْدَقوش، المَرْدَكوش، المَرْزَنْجوش، المَزْرَنْجوش (وضبط بضم النون)، المَرْزجوش، الدوش، القوش، الوزاب، عبقر، العَنقز (وقيل: عنقر)، سَمْسَق (وضبط بضم أوله)، سمق، عترة، ريحان البر، مرو، حَبَق الفتى، حَبَقُ القثاء، (وقيل: حَبَق الفنا، حَبَق الفيل)، حَبَق الماء، أَنْجُرَك، نَمَّام، قورنفس. والمرزنجوش معرب مردكوش. وعلى خلاف في الجمع والتفريق بين هذه المسميات، وكثرة أسمائه واختلافها يختلف باختلاف موطنه. وقد رُوي في فضله عدة أحاديث؛ عن أنس، وابن عباس، وجابر رضي الله عنهم: 1- حديث أنس رضي الله عنه، ورُوي من عدة طرق بألفاظ مختلفة: أ- "عليكم بالمَرْزَنْجوش، فشموه؛ فإنه جيد للخُشام". أخرجه ابن السني في الطب النبوي- (ق 25/ب، ق 55/ب)، كما قال محقق الطب النبوي لأبي نعيم، وانظر: الجامع للسيوطي، وفيض القدير (4/456)، وكنز العمال (6/673)، وضعيف الجامع (3777)- وأبو نعيم في الطب النبوي (286، 673)، وابن بشكوال في الآثار المروية في الأطعمة السرية والآلات العطرية (117)- كما في شبكة إسلام ويب- من طريق محمد بن الصلت الأسدي، عن عبد الله بن نوح، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بِالمَرْزَنْجُوشِ فشموه؛ فإنه جيد للخُشام". وأخرجه الديلمي في مسنده (4050). وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (2/516) في ترجمة عبد الله بن نوح: (مكى. عن عطاء بن أبى ميمونة. تركوه، قاله الأزدي، ثم ساق له حديثًا باطلًا). وذكر الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (3/369) الحديث من طريق محمد بن الصلت به. فهذا حديث باطل لا يصح، كما قال الذهبي وغيره، وفي إسناده: عبد الله بن نوح، وهو متروك. ب- "ليلة أسري بي إلى السماء رأيت المَرْزَنْجوش نابتًا تحت العرش". أخرجه الخطيب في تاريخه (8/165)- ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/63-64)- من طريق أحمد بن عبد الله الذارع: حدثنا حميد بن الربيع السمرقندى: حدثنا قتيبة: حدثنا مالك، عن حميد، عن أنس رضي الله عنه قال: أُهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم رياحين شتى، فرد سائرهن واختار المرزنجوش، فقلت: يا رسول الله، رددت سائر الرياحين، واخترت المرزنجوش! فقال: "ليلة أسري بي إلى السماء رأيت المرزنجوش نابتًا تحت العرش". قال ابن الجوزي: (هذا حديث موضوع، قال أبو بكر الخطيب: هو موضوع المتن والإسناد، وحميد بن الربيع فيه مجهول، وأحمد بن نصر الذارع غير ثقة. قال ابن الجوزي: قد قال يحيى بن معين: حميد بن الربيع كذاب). ولكن قول ابن معين: (حميد بن الربيع كذاب). ليس في حميد بن الربيع السمرقندي راوي هذا الخبر، إنما هو في حميد بن الربيع اللخمي الخزاز الكوفي؛ ففي ميزان الاعتدال (1/611)، ولسان الميزان (2/363): (حميد بن الربيع السمرقندى، مجهول. قاله أبو بكر الخطيب، وساق له خبرًا كذبًا: "رأيت المرزنجوش نابتًا تحت العرش". تفرد به عنه أحمد بن نصر الذارع، وهو متهم). ثم أوردا حميد بن الربيع بن حميد بن مالك بن شحيم أبو الحسن اللخمي الخزاز الكوفي، وأوردا فيه قول ابن معين. وكذلك صنع ابن الجوزي نفسه في الضعفاء والمتروكين (1/238) فقال: (حميد بن الربيع بن حميد بن مالك الخزاز الكوفي... قال يحيى: كذاب... حميد بن الربيع أبو الحسن السمرقندي، قال الخطيب: مجهول). ج- "أعجبني نبات رأيته ليلة أُسري بي نابتًا حول العرش، وهو المَرْزَنْجوش". أخرجه أبو بكر أحمد بن علي بن الحسن الطُّريْثِيثِي في مسلسلاته (4)- كما في شبكة إسلام ويب-: حدثنا القاضي هناد، وأعجبني حديثه قال: أعجبني حديث حدثناه عبد الله بن القاسم الصواف بالموصل قال: أعجبني حديث حدثناه عبد الله بن زياد بن أبي سفيان قال: أعجبني حديث حدثناه أحمد بن محمد بن غالب قال: أعجبني حديث حدثناه دينار بن عبد الله قال: أعجبني حديث حدثناه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أعجبني حديث حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "أعجبني نبات رأيته ليلة أسري بي نابتًا حول العرش، وهو الْمَرْزَنْجُوشُ". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بِمَرْزَنْجُوشَ شمه وأحبه، قال: "رأيته نابتًا حول العرش". ودينار بن عبد الله روى عن أنس نسخة موضوعة، وأحمد بن محمد بن غالب، المعروف بغلام خليل معروف بوضع الحديث. ووقع في مسلسلات الطُّريْثِيثِي: (أحمد بن محمد بن جابر قال: أعجبني حديث حدثناه زياد بن عبد الله)، والتصويب من سبل الهدى والرشاد (7/340). د- "إن في الجنة بيتًا سقفه من مَرْزَنْجوش". قال ابن الجوزي: وقد رُوي بإسناد مجهول عن حميد عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن في الجنة بيتًا سقفه من مَرْزَنْجوش". وهذا الحديث لا أصل له. وجاء في الموضوعات بلفظ: "إن في الجنة نبتًا من مَرْزَنْجوش". والتصويب من اللآلىء المصنوعة (2/235)، وحسن المحاضرة (2/418)، وتنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة (2/271)، وفيه: وهذا كذب لا أصل له. 2- حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/416-417)- ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/63-64)- من طريق يحيى بن عباد البصري، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا، فجاء رجل في يده حزمة ريحان، فلم يمسها، ثم جاء رجل آخر بحزمة مَرْزَنْجوش، فطرحها بين يديه، فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، فتناوله ثم شمه، ثم قال: "نعم الريحان، ينبت تحت العرش، وماؤه شفاء من العين". قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع؛ قال العقيلي: حديث باطل لا أصل له. قال: ويحيى بن عباد يدلك حديثه على الكذب. وأورده الذهبي في ميزان الاعتدال (4/388) في ترجمة يحيى بن عباد؛ دلالة على نكارته. وكذا في لسان الميزان (6/264). 3- حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه الخطيب في تالي التلخيص (2/403) من طريق أبي الحسن بن سالم سهل بن عبد الله: حدثني محمد بن سوار، عن أبيه، عن مالك بن دينار، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: صيح بي وأنا نائم على فراشي: يا عبد الله، قم فاكنس دارك. ففعلت ورجعت إلى فراشي، فصيح بي الثانية، ففعلت وعدت إلى فراشي، فصيح بي الثالثة، وقيل لي: يا عبد الله، قم فاكنس دارك، وارم بالقمامة من منزلك. ففعلت ذلك فلما كان في وجه السحر قال لي ذاك الصائح: أحسن الله جزاءك؛ فإن بعض إخواننا من الجن زارنا، فمنعه المرزجوش من الدخول. فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "صدق، وهو مزروع حول العرش، فإذا كان في دار لم يدخلها الشيطان". قال الخطيب: هذا الحديث باطل، ولم أكتبه إلا بهذا الإسناد من طريق أبي الحسن بن سالم، وهو الذي ينسب إليه الطائفة المعروفة بالسالمية، وليس يعرف برواية الحديث. الخلاصة: لا يصح في فضل البَرْدَقوش حديث؛ كما قال أبو حفص محمد بن بدر الموصلي في كتابه المغني عن الحفظ والكتاب في قولهم: لا يصح شيء في هذا الباب، وأبو طاهر الفيروز آبادي في رسالة في بيان ما لم يثبت فيه حديث من الأبواب (ص38). وانظر جنة المرتاب بنقد المغني عن الحفظ والكتاب (ص461)، والتحديث بما قيل: لا يصح فيه حديث (ص167-168). وذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة (1/196)، وغير واحد ممن ألَّف في الموضوعات: اللآلي المصنوعة للسيوطي (2/235)، تذكرة الموضوعات للفتني (1/110)، تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة (2/332). وقال السيوطي في حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة (2/418): (ما ورد في الريحان، وهو الحبق، روى فيه أحاديث موضوعة). وقال ابن القيم في المنار المنيف في الصحيح والضعيف (ص130)- وله طبعة أخرى باسم: نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول (ص120)-: (أحاديث فضائل الأزهار، كحديث فضل... والمَرْزَنْجوش... كلها كذب). وانظر زاد المعاد (4/395) فإنه قال: (مَرْزَنْجُوش: ورد فيه حديث لا نعلم صحته). والله أعلم.