يشكل الإعجاز العلمي في القرآن الكريم أحد العلوم الحاضرة التي يبذل عليها المسلمون اليوم مالاً وجهداً كبيرين من خلال إنشاء الهيئات الخاصة بهذا المجال وتنظيم المؤتمرات وعقد الندوات وتفريغ الباحثين والعلماء. الإشكالية ليست هنا وإنما في القيمة العلمية المضافة للقرآن الكريم من خلال هذه القراءات الإعجازية التي يوافقني الكثير على أن جزءا ليس بالقليل منها مُتكلف بشكل غير مبرر! إن الانبهار بالحضارة المادية الغربية غير المعلن هو الذي قاد إلى تبني هذه الهيئات والصرف ببذخ عليها في محاولة غير مدروسة لإثبات دعم القرآن للعلم أو حتى قدرة الوحي على التنبؤ بالاكتشافات العلمية، كما أن الاهتمام بهذا النوع من العلوم هو محاولة لسد النقص في حياة المسلمين والناتج عن التخلف العلمي والبحثي الذي جعل العالم الإسلامي في ذيل الدول التي تصرف على المعرفة! قبل فترة اطلعت على كلام للفيلسوف التونسي أبي يعرب المرزوقي بعثه لي أحد الزملاء، حول أثر الإعجاز العلمي على القرآن وهي نظرة قاسية بعض الشيء لكن فيها الكثير من الحقيقة التي ينبغي التوقف عندها حتى لا تكون نتيجتها عكسية مع الامتداد الزمني والتطور العلمي. يقول أبو يعرب في رده على الإعجازيين: وحتى الرد على كلام بعض الدجالين في الإعجاز العلمي لا يبرره لأن هؤلاء الدجالين يفصلون بين العلم والدين ويريدون تأييد الدين بالعلم: وهم يتصورون أنفسهم رافعين من شأن القرآن عندما يزعمون له الإعجاز العلمي ولا يدرون أنهم يحطون من الحقيقة الدينية إذ يجعلونها تاريخية كما هو جوهر الحقيقة العلمية. إن الإصرار على تطبيق حقائق علمية (اليوم) على أنها إعجاز قرآني يقود بلا شك إلى إنكارها بعد فترة لأن الحقيقة العلمية ليست دائمة ومقدسة وإنما متطورة بقدر ما وصل إليه التطور العلمي ما يعني أنها ربما بعد مئة عام تصبح هذه الحقائق من الغرائب العلمية التي يُتندر بها! وهو الأمر الذي سيجعل كثيرا من المسلمين يدافع عنها بدافع ارتباطها بالإعجاز العلمي للقرآن وبنظرة مستقبلية يقودنا الأمر إلى أن الإعجاز سيجلب على المسلمين مستقبلا إحراجات كبيرة تفوق فوائدها اليوم . المبهورون بالإعجاز العلمي اليوم ينظرون إلى تأثيره الحالي متناسين أن القرآن ليس واقعا تاريخيا أو متجددا علميا وإنما كتابا مقدسا دائما. صحيح أن بعض من الغربيين بهرهم الإعجاز العلمي وقادهم إلى البحث عن الإسلام وبعد قراءتهم القرآن أسلموا لكن هذا ليس مبرراً أن نُدخل كتاب الله بعد مائة عام إلى البحث العلمي والتاريخي في حال ربط نظريات علمية به يتم تجاوزها معرفيا؟ لذا فإن القرآن يملك من الإعجاز ما يغني عن هذه التكلفات وحسبنا أنه كلام الله ومصدر تشريع الإسلام الأول لذا فلسنا بحاجة إلى ربط اكتشافات علمية غير قطعية به وإنما هي نتيجة نظريات فردية أو حتى جمعية فإذا صدقت اليوم فليس بالضرورة أن تصدق غدا فالقرآن في النهاية حقيقة دينية إلهية مطلقة غير قابلة للتاريخية كما هو حال الحقائق العلمية. عليه فإن المبالغة في تطويع نصوص القرآن والسنة إلى قراءات تجريبية ونظريات علمية لا يؤثر على تلك النظريات وحسب بل يؤثر على أجيال يمكن أن تشهد ما يمكن أن نسميه استماتة في دعم النص الإلهي بنظرية بشرية يمكن أن تتلاشى في يوم من الأيام.