عبدالله ناصر الفوزان * الوطن السعودية اعتدنا من بعض أصحاب الفضيلة المشايخ انتقاد أجهزة أخرى غير أجهزتهم لملاحظات شرعية، مثل وزارة الإعلام ومؤسسة النقد ووزارة العمل وغيرها، ولكننا لم نعتد أن يقوم شيخ بانتقاد الجهاز الذي يعمل فيه بسبب ديني، أما الذي لا يمكن تصور حصوله فهو أن ينتقد شيخ هو المسؤول الأول في الجهاز أسلوب العمل في جهازه لسبب ديني، لأن ذلك لو حصل دلّ على أن ذلك الشيخ ينتقد نفسه. هذا الأمر اللافت حصل من الشيخ صالح الحصين رئيس اللقاء الوطني للحوار الفكري في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، فقد انتقد بشدة الاتجاه الوطني في الحوار الذي ينظمه مركز الملك عبدالعزيز. لقد دعته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لإلقاء محاضرة في جامع إسكان طلبتها ليتحدث عن (الحوار الوطني وأثره في تعزيز الوحدة الوطنية)، والمغزى من الدعوة واضح، فكان حديث الشيخ كما نقلت لنا صحيفة الحياة (الخميس 19/10/1430ه) لا يخطر على البال، إذ انتقد الاتجاه الوطني في الحوار الوطني، ودعا (طلبة العلم الشرعي) إلى مقاومة فكرة ((الغلوّ في الوطنية)) التي قال ((إنها تسربت إلى المجتمع)) ووصفها بأنها ((غير ملائمة للقيم الإسلامية))، وبأنها ((تقوم على التمييز بين المواطن والمقيم)) وقال ((إن ذلك التمييز ليس موجوداً لدى الشعب ولكنه لدى فئة من المواطنين)). وقال الشيخ صالح ((إن الوطنية عبارة مستوردة تعني مفهوماً معيناً، ولكن هذا المفهوم ليس واضحاً، إذ إن هذه العبارة في سندها الفكري تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان آخر ومن شعب إلى شعب آخر)). وقال ((إن البلاد بحاجة إلى توعية بمفهوم الوطنية على أساس الجماعة في الإسلام بكل مضامينها من الولاء لبعضهم وأوسع بكثير من فكرة الوحدة الوطنية))، وأضاف ((أن مفهومنا للوحدة الوطنية هو مفهوم الجماعة في عقيدتنا الإسلامية بكل ما تبنى عليه وبكل أسسها ومضامينها)) واعتبر الشيخ صالح ((أن فكرة الوطنية أنشأت سلبيات غير إنسانية وغير حضارية وبالنسبة لنا غير إسلامية)). هذا بعض ما قاله الشيخ، ولقد تأملته وأدهشني ، فأولاً... بصرف النظر عن مقاصد الشيخ ... كيف ينتقد اتجاهاً في حوار هو الذي يفترض أنه المشرف عليه أو على الأقل من أوائل المشرفين عليه، فهو إما أنه كان يستطيع تصحيح ما يراه خطأ، ولكنه لم يفعل، أو أنه حاول ولم يستطع فاستمر يؤدي عملاً ضرره أكثر من نفعه في رأيه، فكيف نقبل من الشيخ ذلك..؟ وثانياً.. بالنسبة لمقاصد الشيخ... فقد حاولت أن أفهم كلامه على نحو لا يتعارض مع تعزيز وحدة البلد (وهو مصطلح استخدمه)، أي وحدة المملكة العربية السعودية بحدودها المعروفة، إذ حاولت أن أعتبر أقواله تعني النظرة لكل المقيمين في المملكة بمعيار واحد من حيث الحقوق والواجبات بحيث لا تكون هناك تفرقة بين السعودي وغير السعودي، ولكن هذا لم يستقم في ظل وجود كثير من غير المسلمين وفضيلته يقول ((البلاد بحاجة إلى توعية بمفهوم الوطنية على أساس الجماعة في الإسلام بكل مضامينها من الولاء لبعضهم))، وقوله ((مفهومنا للوحدة الوطنية هو مفهوم الجماعة في عقيدتنا الإسلامية بكل ما تبنى عليه وبكل أسسها ومضامينها))، وما دام أن المقصود بالجماعة في كلام الشيخ هو جماعة المسلمين فإن الشيخ لا يمكن أن يقصد النظر بسواسية لجميع المقيمين في المملكة بما في ذلك غير المسلمين... وإذن فماذا يقصد...؟ عندما أتأمل عبارة ((الجماعة... بكل أسسها ومضامينها)) وعبارة ((من الولاء لبعضهم)) التي أوردها لا أجد إلا معنى واحداً يقصده وهو جماعة المسلمين في كل الأقطار الإسلامية وربما في كل أنحاء العالم... وهناك معنيان لما يقصده الشيخ وفق هذا المفهوم حسب ظني... أولهما أنه يقصد أن تكون المملكة العربية السعودية وطناً لكل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بحيث تعدل أنظمتها وقوانينها لتعطي الحق لكل مسلم في القدوم لها ولتكون الحقوق والواجبات فيها شاملة لكل مسلم في الكرة الأرضية.. أو أن قصده أن يعمل المسلمون على توحيد أوطانهم ليكون هناك بلد إسلامي واحد وخلافة إسلامية واحدة ويكون هذا وطن لكل المسلمين في العالم...؟ فما هو قصد الشيخ..؟ إذا كان قصده هو ما فهمته فأظن أن ما ذكره لا يستقيم في ظل الأوضاع الراهنة، وفيه الكثير من الخيال مما يستدعي إعادة النظر... وإذا كان يقصد غير ما فهمته فأرى أن الأمر يستدعي إيضاحاً من معاليه لأن الكثير كما أظن يشاركونني فهمي.